حقيقة تخرج إلى النور...أتحاكمين من ينقذ البشر يا أوروبا؟!
أعزائي حراس الحدود (الألمانية والأوروبية)،
لا تَدَعوا أحداً يتهمكم بارتكاب خطأ قانوني! فأنتم بالطبع لم تقترفوا أية أخطاء، بل على العكس: لقد قمتم بكل شيء على أكمل وجه، وتمكنتم من وقف انتقال بؤس الحرب السورية إلى بلادنا، "بإطلاق قوات الشرطة في الوقت المناسب". أحسنتم و"برافو عليكم"! لقد كنتم مفعمين بالقوة وكأنكم في مجلس حرب.
فحين يتقاتل الشرقيون ويمزق بعضهم بعضاً إربا إربا على الضفة الأخرى من البحر المتوسط، يكون واجبنا هو إبعاد هذا القتال وتبعاته عنا بقدر الإمكان والسهر على حماية حدودنا بكل يقظة من الشرذمة التي ستنجو من ذلك القتال.
فلا أحد يقوم بذلك أفضل منكم، من خلال أساليب سليمة لا تشوبها أية عيوب قانونية. لا عجب في ذلك، فأنتم من قلتم بضرورة التمكّن من القانون لتنفيذ حكم عرفي بالإعدام. وبالتالي فقد قمتم بوضع معايير أخلاقية صارمة لأنفسكم منذ القدم تنجحون في كل مرة بتطبيقها.
"عصابات التهريب" واللعبة الخسيسة
أحصيتم بدقة وجود "20 ألف راغب في أن يُهرَّبوا من سوريا" ينتظرون دخولهم ألمانيا بشكل غير قانوني. ولاحظتم أن المجرم الواحد قادر على تهريب أربعة من هذه الطفيليات الانتهازية يومياً بالطائرة أو الشاحنة أو القارب إلى بلدنا، وقريباً قد يرتفع هذه العدد إلى ثمانية يومياً.
لكن الخطير هو أن عدو الدولة هذا لديه القدرة على تهريب النساء والأطفال والرجال من سوريا عبر الحدود الألمانية بنجاح. ويا حبذا لو أنهم غرقوا أو اختنقوا في الطريق على الأقل! لكن ذلك لا يحدث، لأن المهرِّب يقدّس دماء أبناء جلدته. وقد اختبأ في اليونان المفلسة التي ينخرها الفساد، لأن الأمر سهل عليه هناك، فكل ما يلزمه هو رشوة موظفي المطار في اليونان كي يركب اللاجئون الطائرة المتجهة إلى ألمانيا دون أية أوراق ثبوتية.
هذا المحتال يختبئ بعيداً عن الشرطة والقانون الألمانيين. لكنه، أعزائي حرس الحدود، لم يحسب حساباً لإصراركم وأذرعكم الطويلة. فأنتم تعلمون اسمه الدقيق ومكان إقامته في أثينا، لأنكم تنصّتم على كل مكالماته الهاتفية، سواء كان ذلك بإذن من القاضي أو من دونه.
لكن هذه الصغائر لا تهم في هذه "المسائل العائلية". فالشرطة والقضاء يخدمان الهدف نفسه، ويجب التحلي بالكثير من حس التعاون وروح الفريق حين يتعلق الأمر بحماية الحدود. وبالتالي اعتقلتم المجرم مهرب البشر في أثينا وأحضرتموه بالطائرة إلى ألمانيا مصفداً بالأغلال.
حرب للحفاظ على نقاء التركيبة الديمغرافية الأوروبية
وبشكل منمق تستندون في عمليتكم هذه على "أمر اعتقال أوروبي"، إلا أنكم تصرفتم وكأنكم في إحدى "عمليات ترحيل الإرهابيين الجوية" التي تقوم بها وكالة الاستخبارات الأمريكية. لا بأس بقليل من المغامرة، لأن ذلك يرفع من معنويات عناصركم. فالأمر، في نهاية المطاف، يتعلق بالحفاظ على نقاء تركيبتنا الديمغرافية.
أنتم تعلمون أيضاً أن الآراء السياسية في هذا الموضوع لا قيمة لها، لأنكم تتصرفون وفقاً لمعايير قانون العقوبات التي لا تعرف المحاباة. وفي ذلك رسالة واضحة تقول: من يهرّب الأجانب إلى ألمانيا فهو مجرم، بغض النظر عن كون من يتم تهريبهم نساء من مولدافيا أو فييتناميات عاملات في طلاء الأظافر أو لاجئي حرب من سوريا. الأجنبي يظل أجنبياً، والقانون يظل قانوناً. لا يوجد مسؤول يراقب الأوضاع ليعطيكم أوامر أخرى.
من خلال هذا القانون تتمكنون من مواجهة كل ألاعيب المحتالين الشرقيين. وسيُحسب لكم دائماً أن رئيس عصابة المجرمة لم يفلح في خداعكم. فأنتم وحدكم من تمكنتم من كشف ألاعيب رأس الأفعى، هذا القادم من ضفاف دجلة.
على مدى ثلاثين عاماً، اشتغل زعيم العصابة، للتغطية على عمله في التهريب، مهندساً في شركة بناء بمدينة إيسن، وتزوج ألمانية وأنجب منها أطفالاً هجينين. كما يقيم في منزل مسجل باسمه في مكتب التسجيل العقاري. إنها حياة مزدوجة مثالية. لكن هذه المظاهر الخادعة في إيسن ستار لممارسة نشاطاته الإجرامية.
كسب الدعم الشعبي بتحضير حجج جاهزة ومعدّة مسبقاً
أعزائي حرس الحدود. إنكم تعلمون بأن الشعب الذي تحرسون حدوده يساندكم. لكن إذا برز بعض المشككين والضعفاء منهم فأنتم واقفون لهم بالمرصاد ومستعدون لهم بحجة غير متوقعة: فأنتم لا تقفون إلى جانب القانون وحسب، بل وإلى جانب الإنسانية أيضاً.
ستقولون إنكم تحمون اللاجئين من المهربين وستوضحون ذلك بأن المهربين يسيئون إلى اللاجئين ويخاطرون بحياتهم. ستتهمون المجرمين بـ"تهريب البشر والتسبب في وفاتهم". ستنشرون أخباراً بأن هذه العصابة تتحمل مسؤولية غرق قارب للاجئين في بحر إيجة ووفاة 62 شخصاً. أنتم تعلمون بأن مثل هذه الحملة الإعلامية ستحملكم على أجنحتها. القرار الشعبي جاهز مسبقاً، وقد قمتم بكل براعة بخلق حكم مسبق.
لكنكم لا تذكرون أن قارب دورية لحرس سواحل الاتحاد الأوروبي هو من وقف في وجه القارب الغارق عند محاولته عبور الحدود وأجبره على العودة، وأن المتهمين بالتسبب في هذا الحادث المؤسف ليست لهم أية صلة بما جرى. وحين يقرر القضاء وتعتزم العدالة الصمت عن الحقيقة فلن يذكرها أحد. فخروج الحقيقة من تلقاء نفسها إلى النور لم يكن إلا وهماً في عصر مفعم بالتفاؤل.
شتيفان بوخن
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013