مدارس تركيا الدينية - تعليم ديني على حساب التعليم الدنيوي؟
الرأي العام التركي منشغل منذ أسابيع بنقاش حاد حول نواقص النظام التعليمي. إذ أثار تقرير حول المستوى العلمي لطلاب المدارس العامة والخاصة أصدرته وزارة التعليم الوطني، جدلا حادا في مختلف أوساط المجتمع. التقرير هو عبارة عن دراسة تقيم المستوى التعليمي للطلاب والتلاميذ الأتراك في مختلف مستويات التعليم المدرسي. وكانت النتيجة: أن الكثير من تلاميذ مدارس أظهروا أداء ضعيفا للغاية، وخصوصا في الفروع العلمية مثل الرياضيات واللغة التركية.
ويُحمّل الكثير من المعارضين والخبراء ما يسمى بمدارس "إمام خطيب" المسؤولية عن هذا التراجع في المستوى التعليمي للتلاميذ والطلاب. ومدارس "إمام خطيب"، هي مؤسسات مدرسية تعليمية تضع الدروس الدينية في صدارة منهاجها التدريسي، مثل دراسة القرآن والحديث. وكانت هذه المدارس في السابق تخرِّج فقط أئمة المساجد، لكن حكومة حزب العدالة والتنمية أجرت تعديلا على النظام التعليمي بشكل جعلت من المدارس الدينية أكثر قبولا في المجتمع.
تأسيس مئات المدارس الدينية
جهود إصلاح النظام التعليمي أسفرت عن ظهور مئات المدارس: فبحسب معطيات وزارة التعليم الوطني التركي زادت المدارس المتوسطة ثلاثة أضعاف في السنوات الخمس الأخيرة، حيث ارتفع العدد من 1099 مدرسة متوسطة إلى 3860 مدرسة. أما عدد مدارس "إمام خطيب" الدينية الثانوية فقد ارتفع من 537 إلى 1605 مدرسة في نفس الفترة الزمنية. في الأثناء يوجد في تركيا حاليا أكثر من 620 ألف طالب ثانوية في مدارس "إمام خطيب".
ولغرض تسهيل مهمة تأسيس هذه المدارس الدينية، تم السماح بتحويل مدارس عادية تابعة للدولة إلى مدارس دينية، وفي حالات كثيرة دون موافقة أهالي التلاميذ. بريهان أوزغون هي واحدة من أمهات كثيرات رفضن التحول المفاجئ في هيكلية مدارس أبنائهن وشاركن في تظاهرة علنية ضد هذا الإجراء.
وما يغضب السيدة بريهان بشكل خاص، هو أن مدرسة ابنها في إسطنبول تتصرف بتمييز واضح تجاه التلاميذ الذين لا يظهرون اهتماما دينيا. فنصف المدرسة بقي كما هو ثانوية عامة، فيما تحول النصف الثاني إلى مدرسة دينية! وفصول النصف الديني قليلة العدد ونظيفة عموما إلى جانب الأجور المنخفضة لتلاميذها، كما تشكو السيدة أوزغون.
تعليم ديني على حساب التعليم الدنيوي؟
النقاد يربطون بين سوء قدرة الأداء لدى التلاميذ وبين تأسيس هذا العدد الهائل من مدارس "إمام خطيب". ويشيرون بوضوح إلى أن طلاب مدارس"إمام خطيب" يجدون صعوبة في تجاوز الامتحان المركزي العام المؤهِّل لدخول الجامعة، حيث ينجح في هذا الامتحان بهذه المدارس الدينية عدد تلاميذ أقل بوضوح. فقد تمكن فقط 38 بالمائة من طلاب هذه المدارس الدينية في عام 2018 من النجاح في هذا الامتحان الذي يؤهل لدخول الجامعة، وهي نسبة متواضعة جدا مقارنة مع المعدل العام لخريجي الثانوية في المدارس الحكومية.
من جانبها، باتت الحكومة التركية ترى هي الأخرى حاجة إلى تحسين المستوى التعليمي للمدارس الدينية. فوزارة التعليم أطلقت عام 2016 مشروعا لتدريس مادتي العلوم الطبيعية والاجتماعية في هذه المدارس. وفي هذا السياق تقول صاحبة المبادرة في الوزارة التركية أزغونور كورلو إن "الهدف من هذه المبادرة هو رفع فرص نجاح تلاميذ المدارس الدينية في الامتحان المركزي المؤهل للدراسة في الجامعة، ومن أجل توسيع المنهاج التعليمي ليشمل مادة العلوم الطبيعية والاجتماعية".
ولكن المشروع لم يساهم في تحسين فرص نجاح تلاميذ المدارس الدينية في الامتحان المركزي، كما تؤكد ذلك الخبيرة أوزغونور. لكن السكرتير العام لنقابة التعليم الحر، علي آيدِن يعبر عن انزعاجه لحصر النقاش فقط حول مستوى المدارس الدينية ويقول: "قبل أن نتحدث عن نواقص مدارس "إمام خطيب" من المهم بمكان الحديث أولا عن المشاكل الهيكلية في مجمل نظامنا التعليمي".
إدروغان يحلم بجيل متدين
يبقى أن نشير إلى أن الرئيس إردوغان كان بنفسه تلميذا في الستينيات من القرن الماضي من تلاميذ مدارس "إمام خطيب" في إسطنبول. آنذاك كانت المدارس الدينية، نادرة جدا. لكن منذ وصوله إلى السلطة عمل إردوغان من أجل تحويل المدارس الدينية إلى مدارس مقبولة في المجتمع، وأصبحت القضية تهم الرئيس شخصيا.
وكرر إردوغان مرارا موقفه الواضح من هذه القضية، حيث كان يقول دائما: إنه يريد رؤية "جيل متدين". ومن خلال التدخل في نظام التعليم ورعاية الشباب يحاول إردوغان ترسيخ مفاهيم إسلامية محافظة لدى الأجيال الجديدة في المجتمع. وعلى هذا الأساس يمكن الاعتقاد بأن التربية الدينية بالنسبة لإردوغان لها نفس الأهمية مثل التربية الدنيوية.
بورجو كراكاش / دانييل ديريا
ترجمة: ح.ع.ح
حقوق النشر: دويتشه فيله 2019