تعز...حيث لرغيف الخبز وحبر القلم ذات الأولوية
يجلس أنس الأثوري بغرفته الصغيرة وسط عتمة الليل في مدينة تعز اليمنية، دون كهرباء، ويطلق العنان لقلمه في وصف الوضع الذي يعيشه عبر رسوم ساخرة، حيث يجدها الطريقة الأكثر تعبيراً عن الأوضاع المأساوية التي تعيشها المدينة، كتلك الرسمة التي شارك بها في معرض الرسم الكاريكاتيري الدولي في تعز. فبينما الحرب تعزف أوتارها -وتزهق أرواح المدنيين ويثقب صراخ الجوعى وأنين يثقب سمع العالم وتتقاسم أمهات الأمل بعودةِ مَن ذهب ولم يعد- ما تزال تعز تقاوم الحرب بالحب، وتواجه الموت بالحياة، وتكافح الدمع بالضحكات، وتهزم المآسي بالكاريكاتير الناقد الساخر.
"الزعيم النائم" يظهر في رسمة أنس رجل يحاول إيجاد حل للظلمة التي تحيطه وقت القراءة، موجهاً من خلالها رسالته: "أعبر عن الوضع الذي أعيشه عبر هذه الرسوم الساخرة، والتي أبدأها وأنتهي منها في ظل انقطاع الكهرباء". وهكذا يصف أنس رسمته الساخرة للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، بسبب ظهوره في أحد الاجتماعات وهو نائم، مما جعله مادةً دسمة للكثير من رسَّامي الكاريكاتير. فرسمة كاريكاتير واحدة "تختزل ألف مقالة"، كما يصفها أنس. ولكن سخرية أنس لم تقف عند الرئيس عبدربه منصور، بل أيضاً كان للحوثي نصيب منها. ففي إحدى رسوماته يظهر طفل يقف تحت السماء، حاملا بيده وعاء لتعبئته بماء المطر، مصوِّراً الوضع المأسوي الذي يعيشه الناس في ظل انقطاع الماء، وتفاقم الوضع سوءاً بعد سيطرة الحوثي على شمال اليمن: يبدو ذلك من الرجل الذي يقف على الجهة المقابلة مرتديا الزي الحوثي، وبجانبه قناصة موصولة بصنوبر الماء موجهة للولد الصغير، وعلى القناصة علم مكتوب عليه شعار الحوثي.
يسخر أنس في رسومات أخرى، من بعض العادات الاجتماعية الضارة، المنتشرة بين أوساط المجتمع، وهو مضغ القات. إذ يلجأ إليه حتى طلاب المدارس والجامعات بحجة أنهُ يساعدهم على المذاكرة والتركيز والدراسة، وهو ما عبر عنه أنس بقوله: "أنا أرى في مضغ هؤلاء للقات، أنهم يمضغون عقولهم". "يتوقف التعليم ويُجند الأطفال" يبدو أن الحرب قد ألقت بظلها على فكر رسَّامي الكاريكاتير بشكل مكثف، كما أن فقدان المواطنين حرية التعبير عن الوضع القاتم الذي يعيشونه من خلال مقالة أو صورة أو أي نوع من أنواع الحراك الشعبي، يمكن رصد ذلك من خلال رسومات رشاد السامي التي تتناول بشكل ساخر معاناة الصحفيين والنشطاء [في مناطق سيطرة الحوثيين، بحسب منظمات حقوقية] جراء ذلك. إذْ يظهر في أحد رسوماته حوار بين رجلين بالسجن: "أنا اعتقلوني لأنني كتبت عنهم في فيسبوك، وأنت ليش اعتقلوك؟"- "أنا اعتقلوني لأنني عملت لايك(إعجاب) على موضوعك".
كما يشير إلى أن الأطفال كانوا الضحية الأكبر في هذه الحرب، وذلك عندما تم تجنيدهم والزج بهم إلى ساحات القتال. جسد هذه المعاناة في رسم كاريكاتيري لطفل بملامح وجه حزين يحمل حقيبة قتال بشكل دبابة على ظهره وتبدو وكأنها حقيبة مدرسية، في رسالة واضحة مفادها أن "الأطفال في الحروب.. حيث يتوقف التعليم ويُجنَّد الأطفال"، كما ورد من السامعي. "تعز لا تفرِّق بين أهمية الخبز وحبر القلم" وكان اختيار مدينة تعز، من قِبِل الاتحاد العالمي للكاريكاتير إلى جانب مدن عالمية أخرى، في ( فرنسا، وتركيا، والبرازيل، وكولومبيا، وكوستاريكا)، ليقام فيها بالتوازي مع بقية هذه المدن المعرض الدولي لفن الكاريكاتير. إذ يعتبر ذلك حدثا استثنائيا يعبر عن الروح الثقافية لهذه المدينة، وجدارة استحقاقها بلقب منبع المبدعين.
أوضاع الحرب -التي تمر بها تعز مند ثلاث سنوات– لم تمنع هذه المدينة من مواصلة نشاطاتها الثقافية والإبداعية والتي ترسل من خلالها أيضاً رسالة للعالم، بأنها ستظل عاصمة للثقافة وموطنا للبسمة في اليمن، لا كما يُراد لها أن تكون. وفي هذا السياق يقول رسام الكاريكاتير اليمني (وهو من تعز) رشاد السامعي: "رغم الحصار التي تعيشهُ المدينة، لكنها لم تفرق يوماً بين أهمية رغيف الخبز وحبر القلم". حضور نسائي بارز في المعرض الحضور النسائي كان بارزا ضمن رسامي الكاريكاتير وفي فعاليات المعرض، وهو يعكس مدى شغف النساء بصورة متساوية مع الرجال -وقد تكون أكبر- بهذا الفن.
أماني مالكي، طالبة صحافة وإعلام شاركت في تنظيم المعرض، ترى أن مثل هذه الفنون تضفي أجواء لطيفة ومسلية، وهي تروي لنا الحقائق بشكل ساخر ومُبسَّط، لذلك أصبح الاتجاه إلى هذا النوع من الفنون، كوسيلة لإيصال الرسائل للمجتمع المحلي والدولي، وأضافت: "هذا الفن محبوب ويُقبل عليه الناس خاصة البسطاء منهم، لكنه بالتأكيد غير مرغوب من قِبل الحكومة والمسؤولين لأن مثل هذه الرسومات تفزعهم" . طرفه الفضليحقوق النشر: دويتشه فيله 2018 ar.Qantara.de