حق النفاذ إلى المعلومة يتصدي للفساد في تونس
في تونس، يخوض صحافيون ونشطاء حربا حقيقيّة عنوانها "النفاذ إلى المعلومة"، وتخاض هذه الحرب على جبهتين منذ سنّ قانون تحرري في العام 2016، يضمن حق الولوج الى المعلومة الرسمية، جبهة أولى تتعلق بمكافحة الفساد والإفساد الذي يتمعّش من التعتيم وغياب الخبر اليقين، وجبهة ثانية قوامها تكريس هذا الحق في ذهنية التونسي ودفعه للمشاركة في الاستفادة من هذا القانون.
للثورات في المنطقة العربية التي اندلعت مع إحراق محمد البوعزيزي لنفسه في 17 ديسمبر / كانون الأول 2010، مطبات وانتكاسات وضريبة باهظة دُفعت ومازالت تُدفعُ. لكنّ للثورات والانتفاضات أيضا مزايا وثمارا يتذوّقها الصابرون على المسار التحرّري والمؤمنون بأن نجاح الانتفاضات يحتاج وقتا وصبرا.
من مزايا الثورات على الاستبداد، حرية التعبير التي لا جدال حول أهميتها ومحوريتها، كما أنّ من مزاياها القوانين التحررية التي تعيد للمواطنين الأمل في العيش في بلدان تضمن الحدّ الأدنى من المواطنة والكرامة والعدالة والانصاف.
ورغم تعثر المسار الانتقالي في تونس، وتنكّر السياسيين لاستحقاقات كثيرة من بينها إرساء محكمة دستورية في الآجال المحددة، فإنّ قوانين تم إقرارها ودخلت حيّز التنفيذ باتت محل فخر وانتشاء، وبات كثيرون يجنون ثمار إقرارها في ظرف يزداد فيه الفساد تغولا في البلاد وتشير الأرقام المفزعة إلى أنّ الآفة الرئيسية التي تهدد البلاد لم تعد الإرهاب كما كان خلال سنوات سابقة، بل إن الفساد هو العدو الأول لتونس والتونسيين.
فساد مبين
في مارس / آذار الماضي 2021، خلصت "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" في تونس (دستورية مستقلة) إلى أنّ أغلب التونسيين يعتبرون أن الفساد ما زال منتشرا بشكل مرتفع منذ عام 2011 وإلى غاية 2021 وهو تاريخ إجراء مسح ميداني شامل (دراسة).
تقول نتائج الدراسة، إنّ أكثر من 80 في المئة من المستطلَعين يرون أن تأثير الفساد سلبي، فيما اعتبر 87.2 في المئة منهم أنه ارتفع خلال العام 2020 الماضي، 28.5 في المئة من المستطلعين تعرضوا على الأقل لمرة واحدة لحالة فساد عام 2020، وهذا يمثل تحديا كبيرا في طريق تنمية ثقة المواطنين في المؤسسات العامة خلال عملية التحول الديمقراطي بتونس، بحسب هيئة مكافحة الفساد.
الدراسة أجريت بإشراف هيئة مكافحة الفساد التونسية وبتمويل ألماني من قبل مؤسسة "Bjka consulting" المختصة باستطلاعات الرأي للعام الثالث على التوالي، في حين قالت منظمة الشفافية الدولية، في تقريرها حول مؤشر مدركات الفساد للعام 2020، إن تونس حصلت على 44 نقطة من 100، مقارنة بـ 45 نقطة عام 2019 وهي أعلى درجة تتحصل عليها منذ 10 سنوات.
وبحسب المنظمة، احتلت تونس المرتبة 69 عالميا في مؤشر مدركات الفساد عام 2020 بعد أن كانت في المرتبة 74 عام 2019.
ما هو النفاذ إلى المعلومة؟
أكثر من 4 سنوات مرّت على دخول القانون الأساسي المتعلق بحق النفاذ إلى المعلومة حيز التنفيذ في تونس، وهو تشريع ثوري وتحرري يمنح الحقّ لكل شخص من الاطلاع على نشاط الهياكل العمومية للدولة، مثل الوزارات والمؤسسات والمنشآت العمومية ويمكّنهم من الحصول على المعلومات الموجودة لدى تلك الهياكل التي تتمتع بتمويل من خزينة الدولة.
يهدف هذا القانون إلى تمكين المواطنين من الولوج إلى المعلومات ذات الصّبغة العموميّة فيما يتعلق بالتصرف في المرافق العامة وطرق تسييرها.
وبموجب القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 والمؤرخ في 24 مارس / آذار 2016 المتعلق بالنفاذ إلى المعلومة بات بالإمكان لكل شخص الاطلاع على نشاط الهياكل العمومية للدولة وحصول الجميع على المعلومات الموجودة لدى المؤسسات التي تتمتع بتمويل عمومي.
يهدف هذا القانون الى "ضمان حق كل شخص طبيعي أو معنوي في النفاذ إلى المعلومة بغرض:
- الحصول على المعلومة
- تعزيز مبدأي الشفافية والمساءلة وخاصة فيما يتعلق بالتصرف في المرفق العام
- تحسين جودة المرفق العمومي ودعم الثقة في الهياكل الخاضعة لأحكام هذا القانون
- دعم مشاركة العموم في وضع السياسات العمومية ومتابعة تنفيذها و تقييمها
- دعم البحث العلمي
ويستثني القانون التونسي الاطلاع على المعلومة التي "تؤدي الى إلحاق الضرر بالأمن العام أو بالدفاع الوطني أو بالعلاقات الدولية فيما يتصل بهما أو بحقوق الغير".
ويتم الحصول على الوثائق المطلوبة بعد تقديم مطلب اطلاع يتضمن معطيات أساسية يتولى المكلف بالإعلام والنفاذ دراسته ومتابعته ويتم الاستجابة لهذه المطالب تبعا لآجال محددة في الغرض، وفي صورة عدم إتاحة الوثائق أو عدم الإجابة أو الرفض فإن لطالب المعلومة الحق في التظلم. وينصّ القانون على أنه بإمكان طالب النفاذ التقدم إلى رئيس المنشأة أو المؤسسة العمومية بمطلب تظلّم في حال لم تتمّ الإجابة بالسلب أو الإيجاب في غضون 20 يوما. وهنا يجب الردّ على التّظلّم في أجل أقصاه 10 أيام.
معاناة صحافيين
حكاية الصحافية خولة بوكريم وهي مديرة تحرير "كشف ميديا" وتتعاون مع "درج" و"أريج"، مع النفاذ إلى المعلومة، هي حكاية التشهير والتهديد والنزاعات والتظلم والطعون والصبر من أجل نيل حق يكفله القانون، لكن ينقصه تجاوب المسؤولين.
تروي بوكريم لموقع قنطرة جزءا من معاناتها من أجل الحصول على معلومة يكفلها لها القانون: "أبرز ما حصل في هذا الصدد، كان في فترة الموجة الأولى لتفشي فيروس كورونا في تونس، توجّهت إلى "الصيدلية المركزية" للحصول على معلومات تتعلق بشراء "التحليل السريع". لكنهم رفضوا ختم الطلب وطالبني موظف بمعلومات عني كصحافية وتساءل عن هذا القانون ومتى تم العمل به وأن لا حق له بمدها بأي معلومات تهم المنشأة التي يعمل فيها، وكلام آخر يثبت جهلهم بقانون النفاذ إلى المعلومة".
تضيف بوكريم: "موظف الاستقبال لم يسمع قط عن القانون، ودوّنتُ حينها على فيسبوك أن مؤسسة عمومية ترفض الامتثال للقانون، واتصل بي في الحين هاتفيا بعد نشر التدوينة ذات العون وقام بتهديدي وهرسلتي وهو موقف عجيب خاصة من جهة سرعة حصوله على صفحتي على فيسبوك وهاتفي الشخصي... لقد قدمت شكوى ضدّ المكلف بالنفاذ إلى المعلومة، ووجدت أنهم يستهينون كثيرا بهذا الموضوع".
حكاية الصحافي أيمن الطويهري الذي يعمل مع موقع "انكفاضة" الاستقصائي لا تختلف كثيرا عن حكاية بوكريم، فالمعاناة والتعطيل هما سيّدا الموقف.
"وزارة العدل لا تتجاوب مع مطالب النفاذ إلى المعلومة، نرسل إليهم مطالب كثيرة لكنهم يتملّصون من الإجابة، ومن ذلك أن 10 مطالب تم إرجاعها مع طلب "إمضائها" حتى يتمكنوا من الإجابة"، يقول الطويهري لموقع قنطرة، ويضيف: "أمضينا كما طلبوا لكن الإجابات كانت منقوصة وقالوا إنّ أغلب المعلومات التي نطلبها لا يتوفرون عليها، ولا تشملهم كوزارة للعدل، وأن علينا كصحافيين الذهاب إلى المحاكم والدوائر للحصول على المعلومات التي طلبناها".
ويشدّد الطويهري على أن موظفي وزارة العدل "يتلاعبون بالمعطيات وبالقانون من أجل تعطيلنا".
ولم يكن من المستبعد أن يتعرض صحافيون ونشطاء إلى معاناة كبيرة في سبيل تمتعهم بالحق في النفاذ إلى المعلومة طالما أنهم سيجدون أنفسهم وجها لوجه مع "الإدارة "وهي بمثابة الدولة العميقة والصندوق الأسود الذي يرفض البوح بأسراره للغير، حيث ينخر الفساد هذا القطاع بشكل مفزع بحسب تقارير واحصاءات رسمية.
"الهيئة" تنصف كثيرين
لكنّ الأمر ليس بالقتامة التي يرويها الصحافيان بوكريم والطويهري لموقع قنطرة، إذ أنّ هيئة النفاذ إلى المعلومة وهي هيئة عمومية مستقلة تتولى بالأساس البت في الطعون المرفوعة إليها في مجال النفاذ إلى المعلومة وتهدف إلى ضمان حق كل شخص طبيعي أو معنوي في النفاذ إلى المعلومة بغرض تعزيز مبدأي الشفافية والمساءلة، وخاصة فيما يتعلق بالتصرف في المرفق العام، قامت بإنصاف الكثيرين وفرضت على مؤسسات عمومية التجاوب مع مطالب نفاذ إلى المعلومة بعد أن تم رفضها، وألزمتهم بالردّ بقوة القانون.
ولم يعد غريبا أن تستمع في تونس إلى أن منظمة أو صحافيا كسب دعوى تظلم أو طعنا ضدّ رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة فيما يتعلّق بطلب النفاذ إلى المعلومة، ما بات محلّ فخر بين نشطاء ومهتمين يقارنون أوضاع تونس بما يجري في دول مجاورة.
منظمة "أنا يقظ" الرقابية والتي تكافح الفساد وتعتبر فرع منظمة الشفافية الدولية في تونس، تحصلت بدورها على قرارات مُنصفة من هيئة النفاذ إلى المعلومة، وتقول المنظمة إنها الجهة الأولى من حيث مطالب الطعن لدى الهيئة فيما يتعلق برفض مؤسسات عمومية التجاوب مع مطالبها للنفاذ.
أطلقت "أنا يقظ" موقعا إلكترونيا تحت اسم (معلومة)، ويهدف هذا الموقع إلى "متابعة مدى احترام والتزام الإدارة بالقانون المتعلّق بحق النفاذ إلى المعلومة وخلق مساحة مشتركة لنشر الوثائق المتحصّل عليها عبر استعمال القانون حتى تكون المعلومات متاحة للجميع".
وفي وقت سابق، أصدرت "أنا يقظ" تقريرا يتضمن قائمة بيضاء للمؤسسات الأكثر تفاعلًا من جهتها مع طلبات النفاذ إلى المعلومة من المنظمة. وتضم هذه القائمة وزارة الشباب والرياضة، ودائرة المحاسبات، والشركة التونسية للأنشطة البترولية، وشركة فسفاط قفصة ووزارة العدل.
في المقابل، تضم "القائمة السوداء" التي تهم المؤسسات الأقل تفاعلًا مع طلبات النفاذ كُلًّا من الشركة التونسية للطرقات السيارة، ووزارة التجهيز والإسكان، وشركة الخطوط الجوية التونسية، ووزارة التربية، والوكالة الوطنية لحماية المحيط.
الاستجابة تتحسّن
في السنوات الأول التي دخل فيها قانون النفاذ إلى المعلومة حيّز التنفيذ، كثرت الشكاوى من عدم تجاوب المؤسسات العامة مع مطالب المواطنين، وصب كثيرون جام غضبهم على الهيئة المكلفة بتطبيق القانون، لكنّ التقييمات تتجه نحو الاعتراف حاليا بأن جهودا كبرى تبذل في هذا الإطار وأن الضغط على المؤسسات ودور الهيئة الملزم لها بالتجاوب مع مطالب النفاذ، يجعل الوضع في تحسّن مستمر.
ويقول عماد الدايمي وهو نائب سابق لدورتين، ومؤسّس "مرصد رقابة" الذي يكافح الفساد المستشري في القطاع العام لموقع قنطرة: "بصفتنا في مرصد رقابة الجهة الأكثر استعمالا لحق النفاذ إلى المعلومة في البلاد، يمكننا التأكيد أن تفاعل الهياكل العمومية مع مطالب النفاذ يتطور بشكل سريع نحو الأفضل، حيث تحسنت نسب الاستجابة الطوعية لطلبات النفاذ. بعد أن أصبحنا نلجأ آليًا للتظلم والطعن لدى هيئة النفاذ في صورة عدم الرد في الآجال".
يضيف الدايمي: "صحيح أن هناك جيوب ردة ومقاومة في بعض الإدارات والمنشآت العمومية ترفض التجاوب الطوعي وتنتظر قرار الهيئة أو تقدم أجوبة منقوصة أو فضفاضة. ولكنْ هناك هياكل عديدة تستجيب وتقدم كل المعطيات المطلوبة دون تردد. والتفاعل -سلبيا أكان أم إيجابيا- مرتبط بشخصية الإطار المكلف بالنفاذ والمسؤول الأول للهيكل العمومي. المؤمنون منهم بحق النفاذ وبمبادئ الشفافية والحوكمة الرشيدة يسهّلون النفاذ ويوفرون المعلومة، والمحافظون الخائفون من الشفافية يتكتمون على المعلومة ويسيرون عكس التيار، لذلك نؤكد على أن من يملك المعلومة اليوم يملك الميدان".
نحو ردع الفسادين
تختلف التقييمات فيما يتعلّق بدور قانون النفاذ إلى المعلومة في التصدي للفاسدين، فالبعض يراه عاملا مساعدا لتضييق الخناق على الفاسدين، والبعض يعتقد أنه ينبّه الفاسدين الى إيجاد طرائق أخرى ملتوية لإهدار المال العام والاستفادة من المناصب واستغلالها والوقوع في وضعيات تضارب المصالح التي تكلّف ميزانية الدولة خسائر ضخمة.
يقول الدايمي: "حق النفاذ إلى المعلومة ساهم في فرض مناخات من الشفافية في عموم الهياكل العمومية، وضرب سلطة وسطوة عديد المسؤولين الذين كانوا يكتسبون نفوذهم ومصدر ابتزازهم من احتكارهم للمعلومة وتكتمهم على التقارير المالية والرقابية وغيرها. ولكن استعمال حق النفاذ مازال حكرا على بعض الجمعيات والنخب. لذلك تظل المعركة بين واجب الشفافية، واحتكار المعلومات، قائمة في كل الهياكل والمؤسسات. ويظل حق النفاذ مهددا بنزعات انغلاقية لمسؤولين يرغبون في الحفاظ على سلطة المعلومة وما تخوله من منافع".
وتقول الصحافية خولة بوكريم في ذات الصدد: " المؤسسات العمومية خاضعة للمزاج العام للحكومة أو السلطة في التعتيم أو الحجب أو الشفافية، وخاضعة أيضا للموظفين العاملين، فبعضهم يتحمسون للبحث عن المعلومة ويشاركون في البحث عنها حتى إن كانت تتجاوز صلاحياتهم، يجب القول هنا إنه من الضروري العمل أكثر وأكثر حتى ينجح قانون النفاذ لأن الطلبات للنفاذ قليلة جدا".
أما الصحافي أيمن الطويهري، فله موقف مخالف، ويرى أنّ المكلفين بالنفاذ إلى المعلومة في الإدارات والمؤسسات التي يشملها القانون، "ليس لهم وضع مهني وإداري واضح، وغالبيتهم موظفون في نفس المؤسسة أضيفت لهم أعباء جديدة بحكم المهمة الجديدة، وبالتالي نرصد تقاعسا من طرفهم نظرا لغياب الحافز المادي، والغالبية ينقصهم التكوين ولا يعلمون الكثير عن القانون الجديد".
ويضيف: "وزارة الداخلية مثلا تعتبر صندوقا أسود فيما يتعلّق بتقديم المعلومة للمواطنين وللصحافيين، يتعاملون بذكاء معنا، يتجاوبون مع مطالبنا في الآجال القانونية لكنهم لا يقدمون سوى المعلومات التي يريدون هم تقديمها والكشف عنها. كذا الأمر مع وزارة الصحة".
الكرة في ملعب "هيئة النفاذ"
تقرّ تونس الحق في النفاذ إلى المعلومة وتعمل على جعل هذا الحقّ كآلية أساسية تمكّن من التوقّي من الفساد ومحاربته بما يتناغم مع جملة القواعد الدستورية المتعلقة بحسن التصرف في الإدارة العمومية على أساس مبادئ الحياد والنزاهة والشفافية والمساءلة، وبما يمكّن من تحقيق الواجب المحمول على الدولة في منع الفساد ومحاربته.
مهمة مراقبة الحق في النفاذ إلى المعلومة وحمايته من كل صدّ أو تعطيل أو انحراف أو تطويع لغايات بعينها، أوكلها القانون إلى "هيئة النفاذ" من خلال إسنادها اختصاص البت في الطعون المرفوعة إليها في هذا المجال وتمكينها من القيام بالتحريات اللازمة وبإجراءات التحقيق والسماع التي تراها مناسبة.
ويقول عماد الدايمي رئيس "مرصد رقابة" مقيّمًا عمل الهيئة: "هيئة النفاذ إلى المعلومة نجحت خلال سنوات معدودة في فرض وجودها وفي افتكاك استقلاليتها. وأصدرت مئات القرارات الجريئة ضد أعلى الهياكل في البلاد، وضد الجهات النافذة مثل الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) الذي أنصفتنا تجاهه وفرضت عليه فتح صندوقه الأسود، وأنتجت فقه قضاء ثري أصبح فخرا للتونسيين".
ويستدرك الدايمي: "لكن الهيئة ما زالت لا تقوم بدورها كاملا في نشر ثقافة النفاذ إلى المعلومة لدى الهياكل العمومية والجهات المشمولة بحق النفاذ ولدى عموم المواطنين. ولا تتابع بشكل جدي تنفيذ القرارات الصادرة عنها. ولا تؤطّر ولا تحمي بشكل كافٍ الموظفين المكلفين بالنفاذ إلى المعلومة في مختلف الهياكل، الذين يتعرض بعضهم للضغط والهرسلة والترغيب والترهيب من قبل مسؤوليهم حتى لا يتفاعلوا بالشكل المناسب مع مطالب النفاذ. والأكيد أن تطوير الإمكانيات المادية والبشرية للهيئة سيمكنها من تجاوز هذه النقائص التي لا تنفي المكاسب الجليلة التي تحققت في وقت وجيز".
أما الصحافية خولة بوكريم مديرة تحرير موقع "كشف ميديا" فترى أنّ الصحافيين والمواطنين يستصعبون الإجراءات التي تقرها الهيئة بما يؤثر على ممارسة هذا الحقّ.
تقول: " الموضوع يحتاج حقا نفسا طويلا، ومن الضروري مراجعة آجال الردّ على مطالب النفاذ، أعتقد مثلا أنه يمكن تقليص أجل 20 يوما للردّ إلى 10 أيام فقط، فهذا يسهّل التمتع بحق النفاذ إلى المعلومة من جهات كثيرة وليس من طرف الصحافيين والجمعيات فقط".
وللصحافي في موقع "انكفاضة" الاستقصائي أيمن الطويهري، تقييم أكثر إيجابية حيال هيئة النفاذ إلى المعلومة. يقول لموقع قنطرة: "إنها تعمل بشكل جيد، لكنّ هنالك ضغطا كبيرا على عملها، إذ أنّ القضايا بالجملة والآجال قصيرة، ولا يمكنها البتّ في الآجال في كم هائل من القضايا والتظلم والطعون التي تصلها يوميا. يوجد نقص في التشريع ونقص في الموارد البشرية واللوجستيك، فهي تحتاج متخصصين من أجل أن يستمر العمل بشكل جيّد، وتنقصها الاستقلالية المالية".
ويختم بالقول: "إنهم يقدمون عملا جبارا لكنه غير كافٍ، ولا يمكن أن نلومهم كموظفين أو إداريين، لكن اللوم يُلقَى على الدولة ككل لأنها لا توفر لهذه الهيئة ظروف العمل كما يجب".
إسماعيل دبارة
حقوق النشر: موقع قنطرة 2021
إسماعيل دبارة صحافي وعضو الهيئة المديرة لمركز تونس لحرية الصحافة
[embed:render:embedded:node:38850]