هل يصبح فيروس كورونا كارثة في سوريا خصوصا في معتقلات النظام؟
تنهمك كل دول العالم تقريباً في تطوير خطط طوارئ لحماية مواطنيها من فيروس كورونا، وتعمل على اتخاذ إجراءات للحد من انتشاره. وحده نظام الأسد من أنكر حتى تاريخ [22 آذار/مارس 2020] وجود حتى ولو حالة إصابة واحدة بهذا الفيروس في سوريا. وقد تباهت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" بتأكيد منظمة الصحة العالمية هذه المعلومات.
غير أن وزير الصحة السوري ما لبث أن أعلن في 22 آذار/ مارس 2020 عن أول إصابة بفيروس كورونا في سوريا، ما وضع حداً لحالة الإنكار هذه. وفي نهاية المطاف، أعلن النظام السوري عن إغلاق كافة المعابر البرية السورية مع لبنان ابتداءً من 23 آذار/ مارس 2020 أمام حركة القادمين، بمن فيهم حاملو الجنسية السورية، مع الإبقاء على حركة شحن البضائع شريطة إخضاع السائقين لفحوصات طبية.
هناك من المعطيات ما يجعل من المشكوك فيه القول بأن انتشار المرض يستثني سوريا بالذات. فنظام الأسد مدعوم من قبل عشرات الآلاف من المقاتلين الإيرانيين القادمين من إيران، أي من الدولة التي تتصدر دول منطقة الشرق الأوسط من حيث عدد الإصابات بفيروس كورونا، بعد أن تجاوز عدد المصابين فيها 20 ألف إصابة، بالإضافة إلى 1550 حالة وفاة بسببه. كما أعلنت السلطات الباكستانية أن الإصابات الأولى في البلاد تعود لستة مقاتلين من مليشيا لواء زينبيون، ممن وصلوا لتوهم إلى باكستان عائدين من مناطق النظام السوري.
نظام صحي متدهور في سوريا
وضمن هذا السياق، ينذر وضع القطاع الصحي في سوريا المتدهور بالخطر. فبحسب بيانات الأمم المتحدة غادر ما تصل نسبته إلى 70% من العاملات والعاملين في قطاع الصحة في سوريا عملهم، وبحلول نهاية العام المنصرم 2019 كانت ما نسبته فقط 64% من المستشفيات و52% من مراكز الرعاية الصحية الأولية في سائر أنحاء سوريا تعمل بكامل طاقتها. ولذا، فإن هذا البلد على وجه الخصوص غير مستعد لمواجهة أي جائحة أو وباء.
ووفقاً لما ذكرته ليلى حسو من شبكة حراس الطفولة، تحتوي المناطق السورية غير الخاضعة لسيطرة النظام السوري فقط على 200 سرير للعناية المركَّزة مزودة بأجهزة التنفس الاصطناعي، وهي ممتلئة فعلياً عن بكرة أبيها بمرضى حالات أخرى من غير المصابين بالفيروس.
وتضع استراتيجية مواجهة انتشار فيروس كورونا، المتأخرة والبعيدة عن الواقع بصورة واضحة للعيان، حياة السكان المدنيين على المحك، سواء أكان ذلك في مناطق النظام أم خارجها. وقد دفع الصراع المستمر في سوريا ملايين السوريات والسوريين إلى النزوح داخل الأراضي السورية، حيث يقاسي أربعة ملايين منهم حالياً من ظروف حياتية صعبة في محافظة إدلب شمال غرب البلاد، في مخيمات بدائية نُصبت على وجه السرعة تفتقر إلى خدمات النظافة.
"هل ينبغي علينا حقاً غسيل أيدينا!؟ كثير من الناس هنا يعيشون في العراء ولا يستطيعون حتى تأمين فرصة استحمام واحدة لأطفالهم أسبوعياً !"، يقول فادي مسحر مدير مؤسسة مرام للإغاثة والتنمية في إدلب لصحفية نيويورك تايمز.
إدلب في مصيدة فيروس كورونا
ومن الصعوبة بمكان إجراء اختبار الإصابة بفيروس كورونا في إدلب في الوقت الراهن. وإن كان بالإمكان إرسال عينات لفحصها في المختبرات التركية، إلا أنه، نظراً للظروف الراهنة التي دفعت مليون شخص خلال الأشهر السابقة للتدفق على الحدود التركية، لا يمكن التعويل على مساعدة كبيرة من هذا القبيل.
وقد ذكر هيدن هالدورسون، أحد الناطقين باسم منظمة الصحة العالمية في جنوب تركيا، يوم الأربعاء [19 آذار/ مارس 2020]، أنه من المتوقع وصول معدات اختبار الإصابة بالفيروس إلى إدلب خلال الأسبوع التالي، إلا أن المعلومات عن كمية هذه المعدات وعن موعد وصولها بقيت مجهولة. وقد علل هالدورسون سبب التأخر في إرسال معدات الاختبار بأن منظمة الصحة العالمية توزع هذه المعدات على السلطات الحكومية في كل بلد، إلا أن شمال غرب سوريا تعد منطقة بلا حكومة.
وتشدد ليلى حسو أيضاً على أن النقص يشمل في المقام الأول مستلزمات أولية مثل الأقنعة الواقية والقفازات ومواد التعقيم. بالإضافة إلى حقيقة أن كثيرين من الفقراء غير قادرين على البقاء في المنزل ومضطرون للعمل لكسب ما يسد رمقهم. وتضيف حسو: "إن أكبر مخاوفنا حالياً تدور حول الأطفال ممن قد تصاب عائلاتهم بهذا المرض، فمن سيهتم بهم حال مرض الوالدين أو حتى وفاتهما؟".
خطر كورونا في معتقلات النظام السوري
وفي حين ينحدر وضع النازحات والنازحين في الداخل السوري إلى الأسوأ، لا ننسى وجود فئة أخرى مستضعفة للغاية من البشر في سوريا، هم المعتقلات والمعتقلون في سجون الأسد. وتحذر منظمة هيومن رايتس ووتش بأن الظروف اللاإنسانية في معتقلات النظام السوري قد تجعل تداعيات فيروس كورونا أسوأ بكثير. فالسجون المكتظة تماماً، ضمن ظروف صحية وطبية سيئة لدرجة يعجز عنها الوصف، تمثل بيئة مثالية لانتشار الفيروس بسرعة شديدة.
وتقول سارة كيالي من منظمة حقوق الإنسان في تصريح لها: "من المخيف بصورة خاصة أن نعلم بأن السلطات السورية على دراية تامة بالظروف السيئة لهذه السجون، كيف لا، وهي من يهيئ الأسباب لخلق هذه الظروف من خلال حرمان المعتقلين من التغذية المناسبة ومن الرعاية الطبية ضمن بيئة تفتقر لخدمات الصرف الصحي والهواء النقي والأمكنة النظيفة. هذه الصورة تتناسب جيداً مع ما نعرفه عن ممارسات الحكومة السورية التعسفية ضد المعتقلات والمعتقلين، بما في ذلك التعذيب الممنهَج وسوء المعاملة والعنف الجنسي".
"بمرور هذا اليوم يكون قد مضى على والدي 2446 يوم في سجون الأسد. في الوقت الذي أحاول فيه وقاية نفسي من كوفيد 19 يبقى خاطري مشغولاً بوضع والدي وبوضع غيره من آلاف المعتقلين ممن لا يملكون أدنى مقومات الرعاية الصحية هناك. لا قدرة لأحد على احتمال هذا."، تقول وفاء مصطفى، ابنة أحد المعتقلين السياسيين، في تغريدة لها. تعيش وفاء في برلين، وتبدي مخاوف كبيرة من تفشي الوباء في السجون السورية. هذا هو حال عائلات المعتقلين الصعب جداً، ممن يبقى تفكيرهم مشغولاً بأقربائهم وأحبائهم المحتجزين في سجون التعذيب الوحشية لنظام الأسد.
خطر اجتياح فيروس كورونا للمعتقلات السورية
يطالب ممثلو المجتمع المدني والمعارضة في اللجنة الدستورية السورية في رسالة مفتوحة بإتاحة المجال أمام منظمة الصليب الأحمر ومنظمات الأمم المتحدة المعنية للوصول إلى مقرات الاعتقال التابعة للنظام السوري. ومع التهديد الجديد الذي يمثله فيروس كوفيد 19 فإن المعتقلات والمعتقلين في جميع السجون في سوريا هم الفئة الأكثر عرضة للإصابة بهذا الفيروس، وبالتالي، فإن فرص بقاءهم على قيد الحياة أقل بكثير.
وقد وقّعت سوريا سابقاً على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للأمم المتحدة، كما وقّعت على الإعلان العربي لحقوق الإنسان، ولكنها، رغم ذلك، لم تكن قَطّ عضواً في المجلس الاقتصادي الاجتماعي للأمم المتحدة الذي صاغ القواعد المتعلقة بالحقوق الأساسية المطلقة للمعتقلين. وبناءً عليه، لا يرى النظام السوري نفسه ملزماً، ولو بالحد الأدنى من المعايير، فيما يخص حقوق المعتقلات والمعتقلين.
هؤلاء -الذين صيّرهم التعذيب وسواه من انتهاك وإهمال وخوف على المستقبل- ضعفاء فعلياً، ومن شأن وضعهم حال تفشي فيروس كورونا أن يغدو كارثة تامة. وبحسب منظمة العفو الدولية، هناك قلق كبير من أن يصاب المعتقلون بالفيروس، ومن ثم يُترَكوا للموت، أي بطريقة شبه متعمدة.
معتقلات ومعتقلون "كأنهم مدفونون أحياءً تحت التراب"
وتبدي فدوى محمد لذلك قلقاً كبيراً على ابنها ماهر وعلى زوجها المختفيان منذ سنين، بعد أن أُلقي القبض عليهما في مطار دمشق الدولي في عام 2012، ولم يُعثَر لهما بعد ذلك على أي أثر. تقول فدوى بنبرة حزينة: "أعرف ماذا يعني أن يكون المرء في السجن، حيث لا يرى المرء الشمس ولا يشعر بالريح لسنين طوال، في وضع يبدو فيه وكأنه مدفون حيّاً تحت التراب".
وقد كانت فدوى نفسها معتقلة سياسية في ثمانينيات القرن المنصرم في عهد حافظ الأسد. ورغم أنها في هذه الأثناء بعيدة عن الخطر، إلا أن التفكير في احتمال حدوث جائحةِ وباءٍ في السجون السورية ما زال يقض مضجعها.
ويبدو من المثير للسخرية رد فعل النظام السوري من خلال إصدار عفو جديد، مشابه لما سبق أن أصدره من مراسيم عفو لا معنى لها على الإطلاق. ويبقى من غير الواضح إنْ كان موعد صدور هذا العفو مرتبطاً بالخوف من انتشار فيروس كوفيد-19.
تقول سارة كيالي من منظمة هيومن رايتس ووتش: "يتوجب على المنظمات الإنسانية ومنظمات الأمم المتحدة أن تضغط بصورة ملحة للسماح لها بالوصول إلى مقرات الاعتقال الرسمية وغير الرسمية لتقديم المساعدات العاجلة التي قد تنقذ حياة المعتقلات والمعتقلين. الأمر الذي لن تقوم به الحكومة السورية بكل تأكيد".
آنا فلايشر
ترجمة: حسام الحسون
حقوق النشر: موقع قنطرة 2020