أنباء بلاد باتت في طي النسيان

أحد أعضاء حركة طالبان يحرس نساء مصطفات للحصول على إمدادات إغاثة.
أحد أعضاء حركة طالبان يحرس نساء مصطفات للحصول على إمدادات إغاثة.

وافق تاريخ 15/ 08/ 2023 الذكرى الثانية لعودة طالبان إلى الحكم في كابول. الصحفي عمران فيروز جاب أفغانستان خلال الأسابيع السابقة لهذا التاريخ مقرِّباً موقع قنطرة من حياة كابول اليومية في هذه الفترة.

الكاتبة ، الكاتب: عمران فيروز

"لا يوجد أحد هنا تقريبًا لا يرغب في الخروج من البلد"، وفق ما يقول محمد زاهد الذي يجلس على أرضية غرفة الضيوف وهو يقطع الفاكهة لابنته البالغة من العمر خمس سنوات. ويضيف أن الموضوع المطروح حول كل طاولة في هذه الأيام هو كيفية الفرار من هموم الحياة اليومية في أفغانستان. في الوقت نفسه يزدهر سوق وثائق السفر، ومن أرادَ الحصول على تأشيرة إلى باكستان أو إيران أو كازاخستان فالأمر سيكلفه الآن مبلغًا مكونًا من ثلاثة أرقام، بحسب زاهد.

والأمر يشبه حال جواز السفر الأفغاني. كان زاهد -فيما مضى- يعمل فني اتصالات لصالح الجيش الألماني والقوات الأمريكية. وكان يقوم بمد وتركيب خطوط الاتصال، واكتسب أموالًا جيدة وكوَّن صداقات جديدة. وبدون خبرته، لم يكن بإمكان هؤلاء الجنود الغربيين -الذين تمركزوا في أفغانستان لمدة عشرين عامًا- التواصل بعضهم مع بعض.

ثم جاءت طالبان إلى سدة الحكم، في أغسطس / آب 2021، فانسحبت القوات الدولية وانهار كل شيء. يلخص زاهد الوضع اليوم قائلا: "لقد تهربوا من مسؤوليتهم". وزاهد لا يعني فقط المسؤولية السياسية للغرب بشكل عام عن الكارثة، بل أيضًا المسؤولية عما حدث له هو شخصيا.

وعلى عكس كثيرين ممن يسمَّوْنَ بـ"المتعاونين المحليين" لم يقُمْ أحد بإجلاء زاهد حتى يومنا هذا. ولا يزال يعيش مع عائلته في كابول، أو بالأحرى يختبئ في كابول. وباعتباره حليفًا سابقًا للقوات الغربية فهو يُعتَبَر عدوًا وخائنًا في نظر الحكام الجدد.

ولم يفهم زاهد إلا لاحقًا أنه كان جزءًا من جهاز عسكري مهووس بالحرب لم يهتم قَطُّ بمصلحة الأفغان.

أفغانستان إمارة إسلامية جديدة

منذ عامين عادت حركة طالبان الإسلامية المسلحة مجددا إلى سدة الحكم في أفغانستان. وتفكك الجيش القديم وفرَّت الحكومة الجمهورية إلى المنفى. في أكتوبر / تشرين الأول 2001 -بعد هجمات تنظيم القاعدة على مركز التجارة العالمي وعلى البنتاغون- غزت قوات حلف شمال الأطلسي -الناتو بقيادة الولايات المتحدة- البلاد وسقطت "إمارة أفغانستان الإسلامية".

 

الأطفال عُمَّال في أفغانستان. Arbeitende Kinder in Afghanistan; Foto: Ebrahim Noroozi/AP Photo/picture alliance
Kinder in Afghanistan: Angesichts der katastrphalen humanitären Situation müssen in vielen Familien Kinder mit zum Unterhalt der Familie beitragen. Aber die Kinder werden auch von den Taliban instrumentalisiert und eifern ihnen nach. „Ich möchte wie mein Vater werden. Irgendwann habe ich meine eigene Einheit“, sagt der gerade mal achtjährige Bilal. Wenige Meter von ihm entfernt, nahe des Dar ul Aman-Palasts im Westen Kabuls, patrouilliert Bilals Vater mit einigen anderen Taliban-Kämpfern.

 

وبدأت "الحرب على الإرهاب": والتي أصابت بشكل رئيسي الأفغان الأبرياء، في حين ظهر على قيد الحياة مرة أخرى الكثير من قادة طالبان الذين كان قد تم الإعلان عن "موتهم" بعد عمليات "محاربة للإرهاب" -كان يزعم أنها دقيقة- من قِبَل الجيش الأمريكي أو وكالة المخابرات المركزية CIA، واحتفلوا بانتصارهم.

الآن أصبحت إمارة طالبان مرة أخرى واقعًا لا يمكن الهروب منه. والأعلام البيضاء -عَلَمُ إمارة أفغانستان المكتوب عليه الشهادتان- منتشرة بأشكال مختلفة في كل مكان وكل وقت. ويُقال إن طالبان قد أنفقت عدة ملايين من الدولارات الأمريكية على هذا، في حين يتضور الشعب جوعًا وينزلق من أزمة ليسقط في أخرى.

في يوم الثلاثاء 15 أغسطس / آب 2023، احتفل أتباع طالبان بـِ"انتصارهم" على القوات الغربية وحلفائها الأفغان بعرض دعائي، تمامًا كما فعلوا في عام 2022. وجابوا شوارع العاصمة بمواكب سيارات ودراجات نارية شوارع، مرفرفين أعلامهم البيضاء. ولكن العرض كان مخصصا لأنفسهم فقط. وجرى عمليًا طرد كثير من الأفغان الآخرين إلى منازلهم.

وأُجبَرَت المتاجر على إغلاق أبوابها وكانت شوارع العاصمة خالية تماما من المارة؛ لأن الحكام الجدد خائفون من التفجيرات التي كانوا هم أنفسهم مسؤولين عنها ذات يوم. ولا يزال الخطر الأكبر يأتي من خلية داعش الأفغانية.

بيع البلاد على يد سياسيين وقادة عسكريين فاسدين

ويعتقد كثيرون من الأفغان أن طالبان لم تُهزَم عسكرياً. وبدلاً من ذلك يقولون إن البلاد تم بيعها من خلال صفقات سياسية، وخصوصا عبر اتفاق عام 2020، الذي تم التوصل إليه في إمارة قطر الخليجية بين طالبان وإدارة ترامب، وتم ذلك على يد سياسيين وقادة جيش فاسدين.

ولكن هذا لا يغير شيئًا في السيناريو الذي يريد الحكام الجدد فرضه. فقبل عام، قام متطرفون ملثمون بمسيرة داخل العاصمة، بينما كان النظام يغازل أقارب الانتحاريين. وكانت قناة الإذاعة والتلفزيون الحكومية آر تي أيه RTA -التي كانت تسعى ذات يوم جاهدة من أجل الظهور بمظهر التنوع والحداثة- تستعرض السترات الناسفة وبنادق الكلاشينكوف والقنابل اليدوية.

كما تستغل طالبان الأطفال أيضًا الذين بدورهم يحذون حذوهم. فالطفل بلال الذي لا يتعدى عمره ثمانية أعوام يقول: "أريد أن أصبح مثل والدي. وفي يوم من الأيام ستكون لي وحدتي [العسكرية] الخاصة". وعلى بُعد أمتار قليلة من بلال -بالقرب من قصر دار الأمان في غرب كابول- يقوم والده بدورية مع بعض مقاتلي طالبان الآخرين.

الصيف في كابول صعب على هؤلاء ويتم التلويح للسيارات المارة بلا اكتراث. "ما الذي من المفترض أن يتعلمه هؤلاء الأطفال غير ذلك؟ العنف موجود في كل مكان، وسيكون هو المستقبل"، كما يقول حكيم [ملاحظة: تم تغيير الاسم]، الذي اعتاد حاليا على وجود معظم مقاتلي طالبان -وليس فقط على وجود بلال ووالده- في العاصمة الأفغانية. في الماضي كان سائق التاكسي نادرًا ما يغامر بالخروج من كابول، وكان يتجنب المناطق التي كانت تسيطر عليها طالبان.

لا وجود لجيوب مقاومة الآن تقريبًا

لكن اليوم لا يمكن لأحد أن يفلت من سيطرة الحكام الجدد. إنهم يسيطرون عمليًا على كامل البلاد ويرتعون أيضًا في المقاهي والمطاعم التي فجروها ذات يوم. لا يحدث الكثير في مقاطعَتَيْ بغلان وبنجشير، حيث يقال إن بعض مقاتلي المقاومة يتحصنون بهما حتى اليوم.

 

يقوم متطوعون بتعليم الفتيات اللاتي لم يعد يسمح لهن بالالتحاق بالمدارس الثانوية - أفغانستان. Afghanistan. Mädchen, die keine weiterführenden Schulen besuchen können, werden von Freiwilligen unterrichtet; Foto: Mohammad Noori/AA/picture alliance
Unterricht im Untergrund: Freiwillige unterrichten Mädchen, die keine weiterführende Schule mehr besuchen dürfen. Auch Universitätskurse für Frauen werden im Untergrund weitergeführt, genauso wie die Schönheitssalons, die die Taliban jüngst verboten haben. Sie haben nicht nur vielen Frauen eine wirtschaftliche Existenz ermöglicht, sondern waren auch ein wichtiger Treffpunkt. „Diese Idioten sehen überall Prostitution und Moralverfall“, sagt ein Arbeiter wütend, während er beim Ausräumen eines Schönheitssalons hilft. Wer seinen Salon nicht ausräumt, muss mit Strafen und Enteignung rechnen.

 

ويقال إن جرائم حرب قد اُرتُكِبَت في المنطقتين كلتيهما منذ استيلاء طالبان على السلطة. ولا يمكن إجراء تغطية إعلامية مستقلة هناك. فالصحفيون -الذين يُسمح لهم بدخول هاتين المنطقتين إن حدث أصلاً- يجري تكليف فرد من أفراد طالبان بملازمتهم.

القمع من جانب الحكام الجدد يسُود اليوم خصوصًا في وادي بنجشير شمال كابول، الذي كان معروفًا في التسعينيات كمعقل مناهض لطالبان في عهد قائد المجاهدين أحمد شاه مسعود، ربما أيضًا بدافع الانتقام.

أثناء الاحتلال الأمريكي لأفغانستان سيطر قادة سابقون من جماعة مسعود على العديد من الوزارات الأساسية، بما في ذلك وزارتا الدفاع والداخلية. وقُتِلَ مسعود نفسه على أيدي متطرفي تنظيم القاعدة قبل يومين من هجمات 11 سبتمبر / أيلول 2001. ومن يُرِدْ الذهاب إلى بنجشير اليوم فعليه أن يواجه طالبان ويتعرض لمراقبة واسعة النطاق.

وينطبق هذا أيضًا على الأفغان العاديين من المقاطعات الأخرى. يتذكر كريم محمدي قائلاً: "لقد تم استجوابنا واضطررنا في النهاية إلى المغادرة". وكان الطالب البالغ من العمر 25 عامًا وأصدقاؤه قد خططوا للقيام برحلة ليوم واحد إلى الوادي، لكن مقاتلي طالبان المحليين منعوهم من الوصول إليه.

ويقول محمدي إن سكان بنجشير كانوا يعيشون عمليًا في سجن مفتوح. لكن كثيرين يذهبون إلى أبعد من ذلك في تقييمهم للأوضاع ويعتقدون أن أفغانستان بأكملها أصبحت الآن سجنًا. ومنذ عودة طالبان عادت البلاد إلى العزلة. ويمكن الشعور بالكارثة الإنسانية والركود الاقتصادي في كل مكان.

أمر جديد بإغلاق جماعي لصالونات التجميل

الوضع سيء بشكل خاص بالنسبة للفتيات والنساء، اللواتي تأثرن بحظر الدراسة في المدارس والجامعات الذي فرضته حركة طالبان. وتأتي هذه القيود بالإضافة إلى حظر العمل، الذي يتم فرضه بشكل مستمر. وقد أثار أمر إغلاق صالونات التجميل بشكل جماعي الجدل والاستياء. وتقول شريفة -البالغة من العمر حوالي 50 عامًا- من غرب كابول: "كان لدي سِتّ متدربات. ظللت أدير صالون التجميل الذي أملكه لمدة خمسة عشر عامًا. وكوني مجبرة على إغلاقه الآن لا يمثل تدميرا لي وحدي فحسب".

وبينما كان بعض العمال يقومون بإخلاء صالون التجميل الخاص بها، انحبست الدموع في مقلتيها. وتروي شريفة أن صالونات التجميل مثل صالونها لم تكن تؤمِّن فقط سبل العيش لكثير من النساء وتعزز استقلاليتهن، وإنما كانت أيضًا نقاط التقاء: أماكن لتجمع النساء فيما بينهن فقط.

 

 ممثلو طالبان وحكومة الولايات المتحدة يتفاوضون في عام 2020 في الدوحة - قطر. Doha: Zalmay Khalilzad (2.v.l), US-Sondergesandter für Aussöhnung in Afghanistan, und Mullah Abdul Ghani Baradar (2.v.r), Leiter des politischen Büros der Taliban, unterzeichneten am 29.2.2020 ein Abkommen, das Frieden für Afghanistan bringen sollte.
Zweifelhafte Deals: Vertreter der Taliban und der US-Regierung verhandeln 2020 in Doha, Katar. Viele Afghanen sind der Meinung, dass die Taliban nicht militärisch besiegt worden sind. Stattdessen sei das Land durch politische Deals verkauft worden, allen voran einer im Golfemirat Katar zwischen den Taliban und der Trump-Administration getroffenen Vereinbarung, und dank korrupter Politiker und Militärchefs.

 

لكن حركة طالبان لا يعنيها هذا. فحراس الأخلاق التابعين لها -الذين يسيطر عليهم دائمًا جنون الارتياب وهم يجوبون المدينة تربصًا بِـ"لجرائم أخلاقية" محتملة- ليس لديهم فهم لهذا الأمر. "هؤلاء الأغبياء يعتبرون أن البغاء وانحلال الأخلاق موجودان في كل مكان"، وفق ما يقول أحد العمال بغضب أثناء مساعدته شريفة في إخلاء الصالون. ومَنْ لم يُخْلِ صالونه فعليه أن يتوقع تعرضه للعقوبات والمصادرة.

إن مدى قدرة طالبان على كسر ظهر النساء الأفغانيات بهذه الخطوة واضح من عدد الصالونات الكبير. إذ كان عددها عدة عشرات من الآلاف حتى وقت قريب في جميع أنحاء البلاد. وعلى غرار الدراسة بالمدارس الثانوية والجامعات للفتيات، سيستمر عمل هذه الصالونات أيضًا الآن تحت الأرض.

تعتزم شريفة مواصلة العمل - من المنزل. وتقول سميرة رحماني، وهي معلمة من كابول: "لقد قامت مصففة الشعر الخاصة بي بتحويل منزلها بالفعل إلى صالون. وسأواصل زيارتها"، ثم تحدثت عن إحدى معارفها التي تخطط الآن للفرار إلى باكستان. "إنها تريد إعادة فتح صالونها هناك"، مثلما تقول.

وفي المقابل فمن الواضح بالنسبة لمحمد زاهد أن أفغانستان تحت سيطرة طالبان لا يمكن أن تقدم مستقبلًا لعائلته. "لن يحدث ذلك أبدًا. هؤلاء الأشخاص لن يتغيروا أبدًا، ويجب أن أفكر في بناتي"، بحسب ما يقول. وبعد أن تركه الألمان وتوقفوا عن الرد على رسائله يريد أن يجرب حظه في الولايات المتحدة الأمريكية. لذا فقد قدم بالفعل طلبًا للحصول على "إس آي في" أو SIV تأشيرة مهاجرين خاصة Special Immigrant Visa شأنه شأن مئات الآلاف من الأفغان.

ولديه صديق قديم في الجيش الأمريكي سيساعده. ويقول زاهد: "يمكن لطالبان أن تنعم بالبلاد كما تريد - ومعهم كل من يفكرون مثلهم".

 

 

عمران فيروز

حقوق النشر والترجمة: موقع  قنطرة 2023

ar.Qantara.de