بعد مجزرة الحولة......إلى متى سيبقى المجتمع الدولي متفرجا؟

دقت مجزرة الحولة المسمار الأخير في نعش خطة السلام التي جاء بها المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا، كوفي عنان، وبات من الواضح أن هناك حاجة لبدائل تقي البلاد شر حرب أهلية طاحنة ذات عواقب إقليمية وخيمة، بحسب تعليق لأندرياس تسوماخ.

الكاتب، الكاتبة : Andreas Zumach



إن فشل كوفي عنان في سوريا لا يعني فشل الأمين العام السابق للأمم المتحدة على مستوى شخصي، فهو جرب جميع الطرق. لكن من فشل هو مجلس الأمن الدولي، خاصة الأعضاء الخمسة الدائمين فيه والمخولين باستخدام حق النقض (الفيتو): الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا.

عندما قام مجلس الأمن بإقرار خطة السلام مطلع شهر أبريل الماضي، سادت شكوك كبيرة في أن يتمكن 300 مراقب دولي غير مسلح من التأكد أن بلداً كبيراً مثل سوريا سيلتزم بوقف إطلاق النار، وضمان سحب الحكومة للأسلحة الثقيلة من المناطق السكنية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتأمين حرية التجمع والصحافة. لقد كان واضحاً منذ البداية أن تطبيق هذه الاتفاقات من قبل هذا العدد من المراقبين الدوليين، خاصة في ظل وجود طرفين مسلحين للنزاع، أمر غير ممكن.

الحرب على المدنيين مستمرة

رويتر
هول الحرب على المدنيين السوريين: مجزرة الحولة كانت أسوأ عمل يرتكب منذ اندلاع الاحتجاجات على نظام الأسد قبل حوالي 15 شهراً، وأدت إلى استياء عالمي. أدى الهجوم على بلدة الحولة إلى مقتل 110 أشخاص، ثلثهم تقريباً من الأطفال.

​​ورغم أن حكومة الأسد وافقت على خطة عنان، إلا أنها لم تلتزم إلا بالبند الأول منها، ألا وهو وقف إطلاق النار، لمدة يوم ونصف فقط – من الثاني عشر وحتى الثالث عشر من أبريل. ومنذ ذلك الوقت لم تخض القوات الحكومية ومليشيات "الشبيحة" حرباً ضد المقاومة المسلحة وحسب، بل وهاجمت المدنيين أيضاً. وشكلت مجزرة الحولة، التي أدت إلى مقتل 108 أشخاص وجرح المئات، القمة المحزنة لهذه الحرب. أما مجلس الأمن الدولي، فقد اتفق ليلة الاثنين (28 مايو)، بعد الإشارة إلى استخدام أسلحة ثقيلة ضد المدنيين، على أن القوات النظامية هي المسؤول الرئيسي عن هذه المجزرة.

كما أوضحت تحقيقات أخرى قام بها مراقبو الأمم المتحدة أنه وبالإضافة إلى تعرض بلدة الحولة إلى قصف من قبل الدبابات والمدفعية الثقيلة، فإن مليشيات الشبيحة قامت أيضاً بتنفيذ إعدامات جماعية. هذا هو الدليل الأخير على أن نظام الأسد لا يفكر في الالتزام بخطة السلام، وبالتالي المسؤول الأول عن فشل هذه الخطة.

إفشال خطة السلام

الصورة د ب ا
وقت العمل: رداً على مجزرة الحولة أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند أن التدخل العسكري لم يعد أمراً مستبعداً في سوريا، بشرط أن يلتزم هذا التدخل بالقانون الدولي وأن يكون نتيجة لموافقة مجلس الأمن الدولي.

​​هذا الاستنتاج سيكون صحيحاً أيضاً لو أثبتت التحقيقات النهائية ضلوع قوى المعارضة المسلحة في المجزرة. لكن حتى إذا كان بالإمكان إثبات عدم ضلوعهم بشكل قاطع، فإن ما حصل قبل مجزرة الحولة أثبت بكل وضوح أن التزام القيادة السياسية للمعارضة بخطة عنان للسلام تعرض للتخريب على يد المجموعات المسلحة، إما من أجل دفع حلف شمال الأطلسي إلى التدخل عسكرياً ضد نظام الأسد، أو بسبب خلافات داخلية أو حتى بدافع حسابات أخرى.

وبغض النظر عن المسؤول عن القتلى والجرحى في الحولة، فإن هذه المجزرة شكلت الفرصة الأخيرة لمنع أسوأ سيناريوهين يمكن حدوثهما بالنسبة للسوريين، ألا وهما حرب أهلية مضنية على مستوى البلاد قد تؤدي إلى مقتل مئات الآلاف وتصعيد الصراع الدموي بين الطوائف المختلفة، وتدخل عسكري من قبل حلف شمال الأطلسي كما حدث في ليبيا، والذي خلف 50 ألف قتيل رغم نجاحه في الإطاحة بالنظام هناك. وفي كلتا الحالتين من المتوقع أن تنهار الوحدة الوطنية لسوريا، مما سيكون له عواقب وخيمة على دول الجوار كتركيا والعراق وإيران والمنطقة بأسرها.

شروط لإنجاح المهمة الأممية

رويتر
يعتبر تسوماخ أن "البديل الوحيد لهذين السيناريوهين المرعبين يبقى، بعد الفشل التام لخطة عنان، قوة دولية أممية يوافق عليها الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن، تعمل على وقف الاشتباكات المسلحة وضمان وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين وتهيئة الظروف المناسبة لانتخابات حرة تحت رقابة الأمم المتحدة".

​​البديل الوحيد لهذين السيناريوهين، بعد الفشل التام لخطة عنان، هو إرسال قوة دولية أممية بدعم من الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، تعمل على وقف الاشتباكات المسلحة وضمان وصول المساعدات الإنسانية للسكان وتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات حرة تحت رقابة الأمم المتحدة، والتي قد تؤدي على الأرجح إلى إنهاء نظام الأسد.

أهم عناصر نجاح هذه المهمة الأممية هو مشاركة جنود يمثلون الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن فيها، لأن القوات الحكومية والمعارضة المسلحة لن تجرؤ على مهاجمة بعثة تضم جنوداً أمريكيين وروسا وصينيين وبريطانيين وفرنسيين. مثل هذه المهمة ستكون حدثاً جديداً في تاريخ الأمم المتحدة، وفرص إقرارها ازدادت بعد مجزرة الحولة. في واشنطن وبكين وموسكو بات جلياً أن مصالحها لن تكون مضمونة إذا ما تركت سوريا تحت رحمة حرب أهلية دموية تؤدي إلى انهيارها، وإذا لم يتم استبدال الدكتاتورية في دمشق بحكومة منتخبة بشكل ديمقراطي.

 

أندرياس تسوماخ
ترجمة: ياسر أبو معيلق

مراجعة هشام العدم

حقوق النشر: قنطرة 2012