كتاب ألماني يخفف وطأة جروح الروح لدى الأطفال اللاجئين
بوسع الكِتاب إراحة وتعزية النفس، وجذب انتباه العقل عن الأفكار المحزنة، وتحفيز التفكير. عاش الكثير من الأطفال وعائلاتهم، الذين لجأو إلى ألمانيا، ويلات الحرب وويلات طريق اللجوء. ومن هنا فإن قص القصص والحكايات عليهم يريحهم ويمنحهم استرخاء في الحياة اليومية التي غالباً ما تكون مجهدة. وفي الوقت نفسه، تشكل الكتب مدخلاً أولياً للغة الألمانية وتعطي اللاجئين بعض التوجيه للحياة في ألمانيا، التي لا تزال لهم مجهولة.
بتكليف من "الوزارة الاتحادية للتعليم والبحث العلمي" في ألمانيا قامت "مؤسسة القراءة" في ديسمبر/ كانون الأول 2015 بإطلاق مبادرة "لنبدأ بتعليم الأطفال اللاجئين القراءة" لمدة ثلاث سنوات. جهزت المؤسسة غرف لعب الأطفال في مأوى اللجوء الأولية بالكتب وأدوات ووسائل القراءة. يُعطَى كل طفل بلغ الخامسة كتاباً ومجموعة من الأدوات والوسائل لتعليم القراءة. ويقوم قارئ متطوع، مدرب خصيصاً لهذه المهمة، بالقراءة للطفل بصوت مرتفع، وبالتالي يأخذ بعقله وقلبه، وبرفق، إلى عالم اللغة الألمانية وإلى الحياة في ألمانيا.
يعاني الكثير من الأطفال والآباء والأمهات من تباعات وتداعيات الحرب والفرار من نيرانها. غير أن معايشاتهم السابقة الجحيمية ليست محور برنامج القراءة. "القارؤون المتطوعون لدينا ليسوا مختصين بعلاج الصدمات والرضوض النفسية. هدفنا هو منح الأطفال راحة من ضغط الحياة، وإثارة فضول الأطفال، بطريقة فيها لعب، للتعرف على الكتاب وعلى اللغة الألمانية"، بحسب ما تفيدنا به مديرة المشروع، ميلتا غورس.
تقوية القدرة على الشفاء الذاتي
ولكن هل تساعد قراءة الكتب على التخفيف من وطأة جروح الروح؟ "لا يمكن للكتب معالجة الصدمات النفسية ولكنها تزود المصاب ببعض الراحة وتقوّي قدرة المصاب على الشفاء الذاتي"، بحسب ما ترى سوزانا شتاين. وضعت المربية سوزانا، المنحدرة من مدينة هامبورغ، كتاباً مصوّراً للاجئين لمساعدتهم وعائلاتهم على الشفاء من الصدمات النفسية. يحمل الكتاب عنوان: الطفل وتحريره من ظلال الخوف الرهيب. يحكي الكتاب قصة طفل عانى مرارات وفظائع الحرب. يفر الطفل وعائلته إلى بلد آخر آمن، غير أن ظلال الحرب السوداء تأبى إلا أن ترافقه في حله وترحاله. خطرت فكرة الكتاب على بال سوزانا عند زيارتها لأحد مآوي اللجوء في مدينة هامبورغ. زارت سوزانا المأوى لتقديم بعض التبرعات ولكنها خرجت بلقاءات وأحاديث وعلاقات شخصية مع أناس ذاقوا مرارات الحرب واكتووا بنار صدماتها النفسية.
لاحظت المربية والخبيرة بالتطوير المؤسساتي، سوزانا، أن الكثير من الأطفال لا يزالون يعانون من الخوف المخيم على أرواحهم ونفسياتهم. "يعاني بعضهم من [مَرَض] العرّة (تشنج لا إرادي ولاوظيفي ومتكرر في العضلات، وتُسمى أيضا اضطرابات اللازمة العصبية) أو يتصرفون بما لا يناسب أعمارهم"، بحسب ما تخبرنا به سوزانا. وتضيف أن هذا ممكن أن يشمل البكاء غير المُسيطَر عليه، والصراخ والارتجاف، وسلَسل البول، وإيذاء الطفل نفسه أو العدوانية تجاه الآخرين.
وقد تمتد هذه الأعراض إلى أنْ يعيد بعض الأطفال نفس الحركة على الدوام أو يستمرون في الدوران على شكل دائرة أو يصفقون ويدقون بأيديهم وأرجلهم. وفي أغلب الأحيان فإن الآباء لا حول لهم ولا قوة، فهم يريدون مساعدة أطفالهم ولكن لا يعرفون كيف السبيل إلى ذلك. "ليس بوسع الآباء فهم ما يدور في أفئدة ونفسيات أطفالهم. وكل ما يهم الآباء أن الأطفال الآن في أمان"، تتابع سوزانا. الوضع صعب أيضا على الأطفال فهم يعانون من أنماط سلوكية معينة، غير أنه ما في اليد حيلة ولا سبيل لتغيرها.
تعلم التعامل مع الأعراض
يهدف الكتاب إلى مساعدة الأطفال المصابين بصدمات نفسية وعائلاتهم على فهم ما جرى لهم. "توضيح المخاوف المستمرة والأعراض الجسمانية لما عايشوه يريح الآباء والأطفال"، بحسب ما ترى سوزانا. وتتابع قائلة: "هذا يساعد الآباء على الاستجابة على نحو يجعل الأطفال يشعرون بشكل أفضل، وإذا اقتضى الأمر طلب مساعدة من اختصاصين. كما كتب لها بعض الشباب اليافع، الذين قَدِمُوا أطفالاً لاجئين إلى ألمانيا، بأن وضعهم كان سيكون أخف وطأة، لو كان لهم أن يطلعوا على الكتاب. "حينذاك لم يفهمهم أحد، وحتى هم أنفسهم لم يفهموا أنفسهم"، تتابع سوزانا.
صُمم الكتاب أصلاً لاستخدامه من قبل العائلات التي تعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة النفسية. غير أنه يُستخدم الآن في عيادات ومشافي العلاج النفسي، ورياض الأطفال، والمدارس، والأندية، ومأوي اللجوء. يبيّن الكتاب أن هناك عروضاً لعلاج المصابين بالصدمات النفسية، فاتحاً الباب بذلك للعلاج. في نهاية كل قصة، يجد الأطفال اقتراحات للتعبير عن مشاعرهم عن طريق رسم رسومات بأنفسهم. كما يحصل الآباء على دليل إرشادي ليساعدهم على التعامل مع أطفالهم.
التماهي-مع الاحتفاظ بمسافة أمان
يتسبب الخوف الشديد واللاحول واللاقوة بالصدمات النفسية. يصف الكتاب هذه الظاهرة ويبيّن أن لا علاقة بين الصدمة والذنب أو الضعف. تمكّن الرسومات الأطفال من التماهي، غير أن الوسيلة التعليمية والعلاجية، الكتاب، تجعل الطفل يحتفظ بمسافة أمان من أحداث القصص. فالأطفال يمسكون الكتاب بأيديهم ويطلعون على القصص فيه، غير أنهم بإمكانهم في أي لحظة وضع الكتاب جانباً أو قلب الصفحة. "يتحكم الأطفال أنفسهم بكيفية استخدامهم للكتاب. وحتى عندما يمزقون صفحة منه، يشعرون أنهم أصحاب القرار".
من حيث المبدأ، القصص تشبه الحكايات الخرافية. إذ يجد الأطفال أنفسهم في خضم وضع سيء، ولكنهم ينجون منهم وقد أصيبوا ببعض الجروح، ويتابعون مسيرتهم. بهذا الطريقة فإن الأطفال يتحررون من اللاحول واللاقوة ويتعافون من جديد وتغمرهم السعادة. وحتى عندما صممت وكتبت سوزانا الكتاب لم يكن في ذهنها أن يكون مثل كتب الحكايات الخرافية الكلاسيكية، كحكايات الأخوين غريم الألمانية، غير أن الشبه بين الكتاب وكتب الحكايات الخرافية الكلاسيكية باد للعيان. "يجد الأطفال دواخلهم الجوانية، والتي بدون الكتاب كان سيكون من الصعوبة العثور والتعرف عليها وتسميتها"، بحسب رأي سوزنا.
وفي نهاية المطاف ستطل النهاية السعيدة برأسها. فكما لاحظت سوزانا شتاين فأن الكتاب لامس دواخل الكثير من القراء، فهو يعزز ثقتهم بأنفسهم ويمنحهم الأمل. "ليس بوسع كتاب مصوّر صغير فعل أكثر من هذا"، تختم سوزانا شتاين حديثها معنا.
غوندا آخترهولد
الترجمة من الألمانية: خالد سلامة
حقوق النشر: معهد غوته / موقع قنطرة 2016
غوندا آخترهولد: صحفية مختصة بالشؤون التعليمية في ميونخ.