"العداء الشعبوي للإسلام في ألمانيا وصل إلى قلب المجتمع"
قبل عدة أسابيع كانت حركة "أوروبيين وطنيين ضد أسلمة الغرب"، المعروفة اختصارا باسم (بيغيدا)، حركة صغيرة على موقع "فيسبوك". لكنها تمكنت يوم الاثنين الماضي من استقطاب عشرة آلاف شخص إلى مظاهرة نظمتها في مدينة درسدن الألمانية. كيف يمكن تفسير ذلك؟
أوليفر ناختفاي: هناك تفسيران يكملان بعضهما البعض. أولهما هو صعود موجة عنصرية جديدة ضد المسلمين مبنية على القلق من تلاشي قيم الغرب. وهذا نتاج لمجتمع عصبي لا فرصة فيه للصعود إلا لقلة قليلة، ويسود فيه شعور دائم بالمنافسة والصراع على المناصب والثروات. لذلك، فإن المشاعر التي تتولد هنا لا يُلام عليها النظام بأكمله، وإنما "الآخرون" أو "الأجانب". يضاف إلى ذلك التأكيد الذي تضفيه السياسة، مثل تصريحات مسئولي حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي حول ضرورة إجبار الأجانب على تكلم اللغة الألمانية حتى داخل منازلهم.
أما التفسير الثاني، فهو أن الأحزاب والمنظمات الكبرى لم تعد تمثل الشعب. ولأن قنوات التعبير عن المخاوف بدأت في الاختفاء، فقد ظهرت حركات احتجاجية مبنية على قاعدة شعبية، بعضها يساري مثل حركة "احتلوا"، والبعض الآخر يتبنى نظريات المؤامرة، مثل مظاهرات يوم الاثنين التحذيرية، وغيرها يميني، مثل حركة "بيغيدا".
ما هي قنوات التعبير عن المخاوف التي تقول إنها بدأت بالاختفاء؟
ناختفاي: ما هي، مثلاً، الاختلافات بين الأحزاب السياسية الكبرى في ما يتعلق باليورو؟ إن هذه الأحزاب متفقة في ما بينها حتى على موضوع حد الرواتب الأدنى. لقد وُجدت الأحزاب السياسية كوسيلة لتنظيم وجهات نظر المجتمع – من اليمين إلى اليسار – ولتسييرها في قنوات برلمانية بهدف تدجينها وإكسابها مظهراً حضارياً.
أليس ذلك مظهراً من مظاهر اختفاء بعض طبقات المجتمع الألماني وضعف حالة الاستقطاب داخله؟
ناختفاي: هذا صحيح إلى حد ما. الطبقات المعتادة، مثل طبقة العمال والطبقة الوسطى، والفروقات في المعتقدات غير موجودة في صورتها التقليدية حالياً. والأحزاب تعكس هذا التغير أيضاً. لكن داخل الهياكل الحزبية، فإن الطبقات المجتمعية الممثلة فيها متجانسة. وإذا ما نظرنا إلى كوادرها، فسنجد أغلبها أشخاصا ولدوا وترعرعوا في كنف عائلات من الطبقة الوسطى، ودرسوا في الجامعات وبحثوا عن فرص للصعود في المجتمع من خلال العمل السياسي.
لكن سبب صحة ما ذكرت بشكل جزئي هو أن انعدام المساواة في ألمانيا، ومنذ تسعينيات القرن الماضي، في ازدياد، ما يؤدي إلى ظهور طبقة فقيرة جديدة. وبينما تزداد الطبقات الفقيرة عدداً، تركز الأحزاب السياسية انتباهها على الطبقة الوسطى.
من برأيك، يمكن أن ينجذب إلى أفكار "بيغيدا"؟
ناختفاي: لا تزال الأبحاث الاجتماعية في هذا الصدد شبه معدومة. لكن بالنسبة لي، تبدو هذه الحركة تحالفاً من المواطنين المنتمين إلى الطبقة الوسطى وطبقة العمال المهرة. لكن هذا التحالف يضم أيضاً بعض أعضاء الجزء الأعلى من الطبقة الوسطى. وسبب ظهور هذا التحالف المبني على العواطف من رحم الطبقة الوسطى مردّه إلى أن العواطف التي بُني عليها هذا التحالف متأصلة في تلك الطبقة. وتظهر الدراسات طويلة الأمد للباحث الألماني فيلهلم هايتماير من بيلفيلد أن مشاعر معاداة الأقليات أكثر نمواً لدى أفراد الطبقة الوسطى.
هل تمتلك "بيغيدا" إمكانية التحول إلى حركة تعم ألمانيا؟
ناختفاي: ما نشهده في درسدن هو أقوى مشهد لحركة متواجدة بالفعل في عدة أماكن. ففي ولاية شمال الراين ويستفاليا، مثلاً، هناك عدد من الحركات المدنية المعادية للإسلام. لكن ما هو غير موجود حتى الآن هو الرابط السياسي بين هذه الحركات، وذلك لأن المواطن العادي لا يريد أن يرتبط بأحزاب يمينية متطرفة مثل الحزب القومي الديمقراطي الألماني والنازيين. المواطن العادي يريد أن يبقى جزءاً من مؤسسات الدولة. يريد أن يقول: نحن أوروبيون وفي حقيقة الأمر معارضون للحرب. لذلك، فإن الخطر كبير أن تقوم الأحزاب السياسية بتبني هذه الأفكار. فيوم أمس، مثلاً، قام بيرند لوكه، زعيم حزب "البديل لألمانيا"، بالترحيب بما تقوم به "بيغيدا"، وذلك على صفحته في موقع "فيسبوك". إن لوكه ينتمي إلى جناح في الحزب يظهر نفسه على أنه قريب من المواطن ومنفتح وليبرالي. لذلك، فإن هناك خطراً من أن يتحول هذا الحزب بأكمله إلى تبني العنصرية المناوئة للإسلام.
ما الذي يجب على المجتمع فعله للتعامل مع "بيغيدا"؟
ناختفاي: لقد قام سكان درسدن بذلك مسبقاً. لقد تغاضوا في بادئ الأمر عن هذه المشكلة. ولكن يوم الاثنين الماضي، عندما خرج عشرة آلاف مناصر لـ"بيغيدا" في مظاهرة، خرج عشرة آلاف متظاهر ضدهم. يجب أن لا ننسى أن درسدن مكان له خصوصية، فهي كانت في العقد الأخير مسرحاً للعديد من مسيرات النازيين من مختلف بقاع أوروبا. لكن المجتمع المدني هناك نجح خلال السنوات الخمس الأخيرة في منع هذه المظاهرات من خلال مظاهرات حظيت بمشاركة واسعة النطاق ورافقها عصيان مدني. ولأول مرة لم تنظم مرة هذا العام مسيرة للنازيين الجدد في هذه المدينة.
طالب رئيس حكومة ولاية ساكسونيا، ستانيسلاف تيليش، بإجراء حوار مع مناصري "بيغيدا". فما هو رأيك في ذلك؟
ناختفاي: أجد من الصعوبة بمكان إجراء حوار مع أشخاص مدفوعين بالعواطف. يجب علينا مواجهة الحجج التي يطرحها هؤلاء وانتقادها بشكل علني، أي القيام بحملة توعية. لكنني أرى أن من الخطأ إعطاء "بيغيدا" أكبر من حجمها الحقيقي عبر دعوتها إلى حوار. وإذا ما فكرنا بأن "بيغيدا" يرأسها شخص فاشل له سوابق إجرامية، فإن علينا أن نتساءل حول الخطر الكامن في مجتمعنا من عواطف قادرة عل تحريك المجتمع بهذه الطريقة. ولذلك، فإن دور المجتمع المدني يجب أن يكون دوراً مزدوجاً: منع هذه المظاهرات بشكل مباشر ومواجهتها، وطرح النقاش بشكل عام حول المشاعر بخصوص الإسلام وعدم تحمل إبداء أي تسامح مع مثل هذه العواطف.
اجري المقابلة: دينيس شتوته
حقوق النشر: دويتشه فيله 2014
أوليفر ناختفاي باحث في الشؤون الاجتماعية بالجامعة التقنية في مدينة دارمشتات وخبير في الحركات المجتمعية. في شهر مارس/ آذار المقبل، يصدر له كتاب بعنوان "مجتمع الهبوط"، يناقش العلاقة بين ازدياد الشعور بانعدام المساواة والصراع.