الفنون القتالية في خدمة السلام ـ التقريب بين الشبيبة العرب واليهود
بجمع مشروع "بودو من أجل السلام" بين متناقضين: القتال والسلام. كلمة بودو في اليابانية معناها "الطريق". ويستخدم المشروع الفنون القتالية الآسيوية وسيلة لتقريب وجهات النظر بين الأطفال اليهود والعرب، لما تعتمد عليه هذه الفنون من قيم إنسانية قديمة العهد. ومن المفارقة أن إطارا قتاليا يستخدم لتشجيع قيم مثل الصبر والتسامح.
ويقول مؤسس المشروع، داني حكيم، الحائز على حزام أسود من الدرجة السادسة وبطولات عالمية لدويتشه فيله: "ولدت الفكرة في ذهني عندما عشت في اليابان لمدة عشر سنوات لتعلم فروع مختلفة في الفنون القتالية منها الكاراتيه مع عرب وأجانب حيث أدركت أن القيم التي يستوعبها المشاركون تساعد على محو الآراء المسبقة واحترام الذات والتسامح ونبذ العنف".
ميزات مشروع الطريق من أجل السلام
ويلقى المشروع إقبالا منقطع النظير ودعما من جهات إسرائيلية وأجنبية على حد سواء. ويبلغ عدد المشاركين فيه هذا العام 400 طفل من 20 ناديا. ويجري اللقاء مرتين كل أسبوع وتخصص في كل لقاء ساعة للفنون القتالية ونصف ساعة للحديث عن القيم المهمة وتهذيب الذات. وتلتئم مجموعتان إحداهما لأطفال تتراوح أعمارهم بين تسعة واثني عشر عاما والثانية للمراهقين 13-17 عاما.
يؤمن حكيم بأن طريقته تُحِل مزيدا من الوئام بين أطفال الثقافتين، والذين كثيرا ما يتمسكون بأحكام مسبقة خاطئة عن بعضهم البعض. ويضيف لدويتشه فيله: "حين يتلاقى الأطفال اليهود والعرب من قريتين عربية وأخرى يهودية لتعلم فنون القتال الآسيوية، فهم بالفعل يقومون ببناء علاقة متبادلة. صحيح أن أمدها قد يكون قصيرا لكن العلاقات الأكثر ديمومة هي العلاقات بين مساعدي المدربين الذين يعتبرون نواة الجيل الناشئ للمدربين في المستقبل".
البنات العربيات الأكثر إقبالا على المشروع
ومن المثير للدهشة أن أغلبية المشاركين والمشاركات في الوسط العربي هم من البنات. عن هذه الظاهرة يتحدث إلينا حكيم بالقول: "إن هناك عدة أمور مشجعة أولا اللباس المحتشم بالنسبة لألوان رياضية أخرى، كما أن أولياء الأمور يشجعون بناتهم على اكتساب القوة لتعزيز الثقة بالنفس وحماية أنفسهن من أي تحرش". وبدوره يقول المدرب عبد الرؤوف السلايمة، من قرية العيسوية لدويتشه فيله: "إن الفتيات العربيات مثقفات وحتى اللواتي يرتدين الحجاب يشاركن في الدورات".
وتبلغ نسبة المشاركة في الوسط العربي 50% من المجموع الكلي، تزيد فيها أحيانا نسبة البنات على البنين. ومن أسباب الإقبال المحلي أن الطالب يدفع قسطا بسيطا جدا من الكلفة ويحصل على البذلة مجانا كما أن اللقاءات غير مبينة على المنافسة.
وتعطلت لغة السياسة
لم يقتصر نجاح المشروع داخل البلاد فحسب، بل استطاع بناء جسور خارجها كذلك. وعلى سبيل المثال لقاء بين مدربين إسرائيليين ومسئولين أتراك، في وقت تراشق فيه السياسيون الاتهامات في وسائل الإعلام، تتوج بدعوة لاستضافة أعضاء النوادي من إسرائيليين وفلسطينيين وأردنيين إلى مؤتمر في العام القادم.
توجهنا بالسؤال إلى المؤسس حكيم عن كيفية تقييم هذا المشروع ونسبة نجاحه سواء في المدن المختلطة أو القرى التوأم، العربية واليهودية: "إن النتائج مذهلة حيث يشير آخر استطلاع إلى أن 50% من المشاركين اليهود أعربوا عن استعدادهم للتعرف على عرب في جيلهم مقابل 70% من العرب لديهم انفتاح للتعرف على يهود من محيطهم القريب. وفي نهاية الدورات المكثفة بلغت نسبة اليهود المستعدين للتعرف على أبناء جيلهم من العرب 85% مقابل 95% من العرب مستعدين للتعرف على يهود".
على السياسيين أن يتعلموا من المجتمع المدني
هذه الإحصاءات مدعومة بحيثيات تتضح من المقابلات الفردية التي تجرى في نهاية الدورة يروي فيها الطرفان أن اللقاءات الدراسية غيرت طريقة تفكيرهم وأغنت تجربتهم مع الطرف الآخر لانعدام الاحتكاكات اليومية، على الرغم من أنهم قريبون جغرافيا من البعض الآخر. ناهيك عن تحسن التحصيل العلمي للمشاركين بصورة ملحوظة.
ويعكف سلايمة على تأسيس نادي توأم بين القدس الغربية والعيسوية للعام القادم في وقت تتعثر فيه المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. ترى هل يمكن تحقيق ذلك في ظل هذه الأجواء السياسية العكرة؟ "أنا متفائل بالنسبة للمستقبل على الرغم من الصعوبات"، يقول سلايمة لدويتشه فيله. وبصوت مفعم باللهفة والثقة بالنفس يضيف "لو قدم إلينا كل هؤلاء السياسيين من الطرفين لتمكنا من تغيير وجهات نظرهم واختراق الحواجز النفسية من أجل التعايش بسلام".
ليندا مينوحين عبد العزيز ـ تل أبيب
مراجعة: أحمد حسو
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011