الكاتبة المصرية سلوى بكر..... صوت المهمشين
سلوى بكر تترك شخوص رواياتها تتحدث عنها، إذ إن اهتمامها الأكبر منصب على النساء المهمشات في المجتمع المصري - المنبوذات والمعاقات جسدياً وعقلياً، أو اللواتي أصبحن ذوات سوابق إجرامية بسبب ظروف حياتهن المزرية، واخترن الهرب إلى الفانتازيا أو الجنون من أجل إيجاد طريقة للتعامل مع قدرهن.
حول ذلك تقول الكاتبة المصرية: "أنا أكتب حول النساء اللواتي نادراً ما يراهن أحد. شخصيات رواياتي هن نساء يبقين خارج دائرة الضوء ولا يستفيد منهن أي شخص". من خلال ذلك تهدف سلوى بكر إلى الابتعاد عمداً عن الأدب الذكوري، الذي يرى المرأة من خلال المنظار الأبوي كزوجة أولاً ومن ثم كعشيقة. وتتابع بكر بالقول: "أكتب عن الأرامل أو المنبوذات الوحيدات، اللواتي ما تزال لديهن أمنيات".
"العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء"
هذا هو محور أحد أشهر رواياتها، بعنوان "العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء"، التي صدرت بالألمانية عن دار لينوس للنشر سنة 1997، وتعد من كلاسيكيات الأدب النسائي العربي. تعرض الرواية، بكثير من الفكاهة والسخرية، قصص مجموعة من النساء يجتمعن في سجن النساء بمدينة الإسكندرية، ويشعرن بتعاطف لم يشعرن به من قبل.
الرواية تتحدث عن أمنياتهن وأشواقهن، التي لا تلعب في المجتمع المصري حتى الآن أي دور يذكر. كما أن التناقض بين الاحتياجات الأنثوية والصورة النمطية المحافظة في المجتمع المصري تشكل بالنسبة للمؤلفة حافزاً هاماً لإبداع الفنانات.
هذه النظرة إلى الطبقات الدنيا تحدد نظرة سلوى بكر إلى الوضع الراهن في بلادها، فبالنسبة لها كانت الإطاحة بنظام مبارك سنة 2011 تجربة قلبت حياتها رأساً على عقب، إذ توضح أن "حياتي شهدت تغيراً جذرياً منذ الثورة". لقد شهدت بكر كيف استطاعت النساء من خلال الحركة الاحتجاجية القيام بأشياء لم تكن تحلم بالقيام بها في السابق. كما أن حلم مجتمع يساوي بين الجنسين كان قريباً من التحقق.
وتضيف سلوى بكر: "فجأة أصبحت النساء بمهاراتهن مهمات. لقد بدأن بالتغير وبالنظر إلى أنفسهن نظرة جديدة. لقد أصبحن فجأة قادرات على المساهمة بأمور مهمة لهن وللمجتمع بأسره أيضاً. كان هذا بالنسبة لي أهم رسالة للثورة".
كسر الصمت
لهذا السبب لا تتفق الكاتبة المصرية مع من يقول بأن وضع المرأة قد ساء منذ تلك اللحظة، إذ تعتبر أن "ذلك قد يبدو وكأنه صحيح، إلا أن ذلك ليس صحيحاً. النساء يكافحن اليوم بشكل أكبر من أجل حقوقهن، ولهذا فإن أوضاعهن قد تحسنت".
قبل الثورة لم يكن أحد يتحدث حول قضايا مثل التحرش الجنسي أو الاغتصاب، إذ جرت العادة على أن تلقي الضحية باللوم على نفسها، وبالأخص الفتيات الشابات، اللواتي كنّ يصمتن بسبب الخوف والخجل. أما الآن فقد بدأن بالتغلب على مشاعر الذنب وإيصال قضايا الاغتصاب على يد أفراد الجيش إلى المحكمة. فالنساء الشجاعات يسمين الأمور بأسمائها، وتلك النساء تقول: "لن نرضى بترهيبنا بعد الآن، فنحن لسن المذنبات بل أنتم. هذا تغير كبير".
سلوى بكر، المولودة سنة 1949، تنحدر من أسرة متواضعة في أحد ضواحي القاهرة، إذ كان والدها يعمل في السكك الحديدية. درست سلوى إدارة الأعمال ثم علوم المسرح في جامعة عين شمس، وبعد تخرجها من الجامعة عملت في البداية ناقدة للأفلام والمسرحيات، قبل أن تبدأ بشق طريقها الأدبي في منتصف الثمانينيات.
ابتعاد عن الناشطات النسويات في مصر
اضطرت سلوى بكر لنشر أول كتاب لها على نفقتها الخاصة، إلا أن ذلك تغير بعدما ترك الكتاب انطباعات إيجابية لدى النقاد. في عهد مبارك قضت بكر فترة قصيرة في السجن، ورغم أنها تعالج في رواياتها أوضاع النساء في مصر، إلا أنها تنأى بنفسها عن الناشطات النسويات، اللواتي أسسن "الاتحاد النسائي المصري" مؤخراً. وترى سلوى بكر في تلك النساء قبل كل شيء سيدات من الطبقة الغنية، يختلفن في تفكيرهن وأسلوب حياتهن بشكل كبير عن معظم النساء المصريات.
كما لا تتفق بكر مع ما تدعيه الناشطات النسويات والليبراليات، اللواتي يحملن الإخوان المسلمين والسلفيين مسؤولية الصعوبات التي تواجهها النساء المصريات، مضيفة أن "النساء لا تعاني في ظل السياسات الإسلاموية فقط، بل وفي ظل أي سياسة لا تلقي بالاً إلى قضاياهن".
وبالنسبة للمؤلفة المصرية، فإن هناك عداوة متجذرة ضد المرأة تخترق كافة طبقات المجتمع المصري وترسم معالم النقاش في أوساط الأحزاب الليبرالية، وتشير إلى أن "المثقفين المصريين يناقشون السياسة والثقافة، إلا أن حقوق المرأة لا تلعب في نقاشاتهم أي دور، وفي نهاية الأمر فإن صورتهم عن المرأة هي تماماً كصورة الإخوان المسلمين عنها".
رأيها هذا مبني على تجاربها الشخصية مع المشهد الثقافي القاهري، فرغم تحقيق سلوى بكر لنجاح دولي كمؤلفة، إلا أن شهرتها في وطنها ما تزال محدودة، وهو ما يولد عندها شعوراً بالمرارة بسبب طريقة عمل آلة الثقافة في مصر، فقد حصلت أعمالها على جوائز دولية عديدة، مثل جائزة دويتشه فيله للآداب في ألمانيا سنة 1993. لكنها لم تحصل على أي جائزة أو تقدير في مصر. كما أنها لا تجني دخلاً أقل من نظرائها الرجال وحسب، بل وإن الجوائز الأدبية في مصر لا تمنح بناء على معايير موضوعية، حسب رأيها. وتقول سلوى بكر: "الفنانون الذكور الذين يتمتعون أيضاً بعلاقات جيدة مع الحكومة هم من يحصلون عندنا على الجوائز الأدبية. وعندما أقوم بنشر كتاب ما، أجني منه القليل من المال، وهذا بالنسبة لي نوع من الفساد".
الحكم على الإسلاميين حسب أدائهم
ورغم ابتعادها عن الناشطات النسويات، إلا أنها تتفق مع العديد من الفنانين المصريين الليبراليين على أن الإخوان المسلمين قد يشكلون مشكلة حقيقية، إذ إن كثيراً من القضايا التي اندلعت من أجلها الحركة الاحتجاجية سنة 2011 لم يتم التعامل معها بعد، مثل الهوة الاقتصادية الكبيرة بين الفقراء والأغنياء، وانعدام الأفق أمام الشباب وانزلاق الطبقة المتوسطة إلى الفقر. لكن سلوى بكر ترى أن الحكم على الإسلاميين سيكون من خلال أدائهم، وإذا لم يحققوا أي تقدم للشعب، فإن حكومة مرسي ستواجه احتجاجات عارمة.
وإذا تم تقييد حقوق النساء، فستجد النساء المصريات وسائل للدفاع عن هذه الحقوق، تماماً مثل شخوص روايات سلوى بكر، التي لا ترضى بالخضوع وتحافظ على كرامتها. ولقد شهدت بكر كيف دافعت البائعات في القاهرة عن أنفسهن في وجه السلفيين، إذ لم ترد تلك النسوة أن تسمع رغاء هؤلاء المتعصبين حول كون المكان الوحيد للمرأة هو المطبخ، وكن على وشك طردهن من المكان. وهذا ما سيحل بالإخوان المسلمين إذا ما سعوا لتحويل مصر إلى مشروع دولة إسلامية متشددة، إذ من الواضح لسلوى بكر أن ممثلي الإسلام السياسي لن يكونوا قادرين على تحطيم حلم المجتمع المدني الحقيقي، بل على تأخيره فقط.
كلاوديا مينده
ترجمة: ياسر أبو معيلق
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012