"الشارع والشعب...المحرك الفعلي للسياسة في تركيا"
"لدي شهادة طبية تسمح لي بالتدخين" يقولها الشاب الذي يصل شعره حتى ذقنه، وهو يشعل سيجارته أثناء استراحة قصيرة خلال جلسة قراءة في كتابه الجديد "شباب خاسر" في العاصمة الألمانية برلين. يثير هذا التعليق ضحكات الحضور وهو أمر يروق للكاتب الشاب الذي يرتدي قميصا بقبعة تحت الجاكت الجلدي الأسود. ملابس تحولت لعلامة مميزة للكاتب الشاب المتمرد.
"شباب خاسر" الذي صدر أيضا باللغة الألمانية، هو عبارة عن مجموعة من القصص القصيرة المكتوبة من منظور شاب وتتناول الدخول إلى مرحلة النضج. يتناول الكتاب العديد من الحكايات إحداها لشاب انتقل بعد وفاة والديه للعيش مع جدته التي تعتمد حياتها على تناول الأدوية بشكل يومي. تضم الرواية قصة لشاب آخر يقع في غرام صديقة شقيقه الأكبر وقصة أخرى للمراهق نور الدين البالغ من العمر 12 عاما والذي يرغب في الأخذ بثأر شقيقه الجندي الذي سقط في إحدى المعارك. مجموعة من القصص لشباب صغار عانوا من فقدان أعزاء لهم بصورة أو بأخرى وحاولوا التعبير عن احباطهم وحزنهم عبر أعمال تعكس إحباطهم.
ناقد محبوب
يعطي سيربس في كتابه "شباب خاسر"، مساحة للمراهقين الذين لا تقابل مشكلاتهم عادة بالاهتمام الكافي بين الراشدين. تحول الأديب الشاب نفسه إلى صوت للشعب وتحديدا منذ احتجاجات غيزي صيف عام 2013، إذ لم يكتفِ وقتها بالنزول إلى الشارع والمشاركة في الاحتجاجات فحسب بل شارك في الكثير من البرامج الحوارية بعيدا عن وسائل الإعلام الرئيسية، منتقدا عنف الشرطة وحكومة حزب العدالة والتنمية.
تسببت هذه الانتقادات في مطالبة الادعاء العام في اسطنبول بتوقيع عقوبة السجن لمدة 12 عاما في حق سيربس، لكن القضية أسقطت ولم تنجح في تخويف الكاتب الشاب الذي يقول: "فقدت هذه الحكومة شرعيتها منذ فترة طويلة"، ويضيف في إشارة إلى تسريبات المكالمات الهاتفية التي أثارت اتهامات بالفساد في حق ساسة من حزب العدالة والتنمية من بينهم الرئيس رجب طيب إردوغان، حين كان رئيسا للوزراء: "إذا كان المال هو همكم فخذوا كل ما في خزانة الدولة وابتعدوا أخيرا".
انفجار احتجاجات غيزي بهذا الشكل لم يذهل سيربس الذي يقول: "تراكمت الكثير من الأمور عبر السنوات داخل المجتمع التركي..عندما ترى رجلا يعيش على ما يعادل 400 يورو في الشهر ويشعر بالبؤس فلا تتعجب عندما يرفع عليك السلاح في أحد الأيام".
يرى سيربس أن أحداث صيف عام 2013 كانت بداية حراك لم ينته بعد موضحا: "ليست الانتخابات وحدها هي التي تحدد السياسة..اللاعب الفعلي في السياسة هو الشعب والمكان الذي تصنع فيه السياسة وهو الشارع، وفقا لفكرة حنا آرندت (باحثة سياسية أمريكية ألمانية). الفضل في وجود حديقة غيزي حتى الآن لا يرجع لقرار برلمان أو محكمة..الشعب هو الذي قرر". يتمنى سيربس ألا يتأزم الموقف وتتصاعد حدته.
شغف بالكتابة
ارتبطت الكتابة دوما بحياة سيربس المولود لأب عامل وأم موظفة حاولا دفع ابنهما للعمل في قطاع الفنادق في أنطاليا كوسيلة لكسب العيش، لكن الابن لاحظ سريعا عدم شغفه بهذا المجال واتجه للورقة والقلم. دوت أولى روايات سيربس كالقنبلة في عالم الأدب إذ كانت تدول حول "بيهزات" رجل الشرطة الجنائية في أنقرة، وهو رجل متجهم ومدخن شره وسبّاب وسكير. عبر سيربس عن انتقاده لجهاز الشرطة من خلال النقد الساخر عبر الشخصية الرئيسية للرواية ذات الأخطاء المعروضة بطريقة ساخرة، بالإضافة إلى باقي الشخصيات المرسومة بشكل واقعي.
تحولت الرواية لأحد أشهر المسلسلات التليفزيونية في تركيا والتي تتعرض دائما لمقص الرقيب الرسمي، كما صدرت أيضا باللغة الألمانية قبل أن تتحول لعمل سينمائي في عام 2013.
وعن طريقته في الكتابة والمواضيع التي يتناولها يقول الكاتب الشاب: "لا أفكر في الأمور التي أرغب في الكتابة عنها. لا أختار المواضيع لكن المواضيع هي التي تختارني". الكثير من الشباب يتساءل كيف يمكن لشخص لم يعش في حياته الشخصية الكثير، أن يكتب. يجيب سيربس عن هذا السؤال قائلا: "أعتقد أن المرء لا يجب بالضرورة أن يعايش شيئا ليستطيع الكتابة. الحياة والكتابة أمران مختلفان تماما". لا ينظر سيربس لنفسه كـ"كاتب مثقف" ويقول إنه يقرأ الكتب ويراقب الكثير من الأمور. يعتقد سيرباس أن المرء يجب أن يؤمن بالكتابة كما يؤمن بالدين، وهو التعبير الذي أطلقه الروائي البيروفي ماريو فارغاس يوسا.
ترمومتر الإنجاز اليومي
عندما يلتزم سيربس بموعد لتسليم عمله فإنه يغادر مدينة اسطنبول الصاخبة ومنزله الواقع بمنطقة بشكتاش والذي يعج بالأصدقاء، ويتجه إلى مدينة يالوفا حيث تعيش والدته في منزل يستعد لاستقباله بمكتب وتقويم، يسجل فيه إنجازاته اليومية بحروف مختصرة. يكتب سيربس حرف "ن" (كاختصار لكلمة نجاح) بجانب كل يقوم أنجز فيه جزءا جيدا من روايته. أما الأيام التي يكون فيها الإنجاز متوسطا فتحمل في التقويم رمز "ن.ص" أي نصف إنجاز. أما الأيام التي لا ينجز فيها سيربس شيئا فتحمل في التقويم رمز "ك" تعبيرا عن الكسل.
يعمل سيربس لنحو 16 ساعة في الأيام التي يعتبرها جيدة ويوضح: "في هذه الأيام أكتب ما بين عشرة إلى عشرين صفحة لكني لا أستخدم منها إلا صفحة واحدة وأحيانا جملة واحدة فقط وعندها أشعر بالسعادة لأني أنتجت جملة سأستخدمها في الرواية وهذا أمر جيد".
حققت أعمال سيربس المترجمة للألمانية حتى الآن نجاحا جيدا وحظيت بقدر ملحوظ من الشهرة وتمت قراءتها في اثنتين من المدارس الثانوية في برلين ونالت إعجاب التلاميذ الذين أبهرتهم النبرة الجديدة والتي حافظ عليها المترجم أوليفر كونتاني الذي يصفه سيربس بأنه "صوته الألماني". وعن وجود أعماله في السوق الألماني يقول سيرباس مداعبا وهو يراقب دخان سيجارته: "أنا الآن في نفس صف غوته وهيسه وغونتر غراس وهاينريش بول...ربما أتجاوزهم بعد خمسة أعوام".
جيداء نورتش
ترجمة: ابتسام فوزي
حقوق النشر: قنطرة 2014