استعانة بالتعليم الديني في مواجهة الفكر الإرهابي
لا يمكن للمرء مبدأيا سوى الترحيب بالتطور الذي تشهده ردود فعل المسلمين على إساءة استخدام الدين من قبل الإرهابيين، والتي تتخذ شكلا أكثر وضوحا ودقة لاسيما بعد كل اعتداء. ويضرب المسلمون عصفورين بحجر واحد فمن ناحية يتصدون بشكل دائم لفكرة ربط الإرهاب بالإسلام التي يتبناها الأعداء الدائمين للإسلام وكذلك من يطلقون على أنفسهم "الدولة الإسلامية في سوريا والعراق"، ومن ناحية أخرى يتصدون للادعاء بأن المسلمين لا يبذلون الجهد الكافي لينأوا بنفسهم عن الإرهاب وهو أمر مهم لاسيما وأن هذه الادعاءات تستند أغلب الوقت على جهل بالجدل الدائر في العالم العربي على سبيل المثال وبها بعض من التزييف أيضا.
أسانيد دينية ضد الإرهاب
ولا تهدف مبادرة المنهاج الإسلامي، المناهض الإرهاب، إلى امتصاص غضب المراقبين منتقدي الإسلام فحسب ولكنها تهدف أيضا لضرب ممثلي الفهم الديني العنيف والقاصر بسلاحهم إذ يتم استخراج الحجج المناهضة للإرهاب بشكل علمي من الدين نفسه وليس كما هو الحال عادة من خلال الفهم الإنساني السوي والذي لا يلقى مع الأسف أي اهتمام من قبل من يبحثون في الدين عن مبررات للعنف.
سبق وحاول علماء في الإسلام، القيام بالأمر نفسه لكن جميع المحاولات كانت فردية في ظل غياب خطة تحظى باهتمامم الصحافة العالمية لمكافحة الإرهاب بأسانيد من العلوم الدينية، وهو أمر لا يرجع لغياب الحجج المضادة للعنف في الإسلام ولكن إلى التنوع الديني والانقسامات الداخلية بين المسلمين.
وتستند مثل هذه المبادرات على حقيقة أنه لم يبقَ للمسلمين سوى استخدام الحجج الطيبة والوصول لمختلف المسلمين في كل العالم، تماما كما يفعل دعاة الكراهية والعنف، مهمة شاقة لكنها تهدف -إن كتب لها النجاح- للوصول إلى صورة الإسلام التي يصبو إليها المسلمين في جميع أنحاء العالم: دين ينتشر عالميا على أساس مبادئ إنسانية عالمية مقبولة من الجميع ولا خلاف عليها.
دوافع دينية وثقافية
ويجب ألا ينسى المرء في ظل هذه المبادرة، أن الدين يستخدم غالبا كذريعة عندما يقرر مسلمون شباب السفر إلى سوريا، فالقليل فقط من هؤلاء الذين ينضمون للحرب، تعرفوا على العلوم الدينية بشكل فعلي. ونتيجة لغياب التربية الدينية عن هؤلاء، فإنهم بمثابة الصيد السهل للفكر المتطرف المتخفي في عباءة دينية. وهنا بالتحديد يمكن أن تقدم مبادرة المنهاج الإسلامي المساعدة في درء هذه الحجج، لكنها تعزز في الوقت نفسه من الانطباع الخاطئ بأن "سياحة الإرهاب" قائمة في الأساس على دوافع دينية وثقافية.
ويؤدي هذا الشكل من تغليب العامل الثقافي، كدافع للتصرفات الشخصية، لتجاهل أسباب أكثر وجاهة للسير على طريق العمليات الانتحارية في مناطق متأزمة، لاسيما العوامل المتعلقة بالتجاهل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للكثير من المهاجرين. وربما تكون هذه المبادرة مناسبة لتوقعات السياسة الغربية والمراقبين غير المسلمين الدائمي التشكك بشكل أكثر من مناسبتها لتوقعات المسلمين الذين تتعلق بهم المبادرة في الأساس.
ومن هذا المنظور يمكن أن تأتي هذه المبادرة بعكس هدفها لاسيما إذ اتسقت مع نفس نغمة هؤلاء الذين يرون أن الإرهاب الذي يمارسه مسلمون يرجع إلى مشكلة في الدين وأزاحت عن السياسة الليبرالية الحديثة مسؤولية الفقر وضياع الهدف التي تعاني منها قطاعات شعبية من بينها المتحولين للإسلام، الذين يحاولون ملئ فراغ حياتهم الخالية من هدف في العالم الغربي، من خلال القتال في صفوف "تنظيم الدولة الإسلامية" الذي يحظون فيه بالاعتراف بوجودهم -على عكس ما يحدث لهم عندنا (في الغرب)- حتى وإن كانت حياتهم هي الثمن.
ويجب على المجتمع الغربي أن يواجه نفسه ببعض الأسئلة النقدية ومن بينها، ما فائدة أن ينأى المسلمون بأنفسهم عن "تنظيم الدولة الإسلامية" ويعرضون الحجج ضد التطرف، طالما يواصل الغرب عقد أكبر الصفقات مع دول تدعم منذ عقود هذا التطرف وتتفق مبادئها الاجتماعية حتى يومنا هذا مع "تنظيم الدولة الإسلامية" في العديد من النواحي بشكل أكبر من اتفاقها مع مبادئ الدول الغربية – ويقصد هنا السعودية وبعض الدول الأخرى في الخليج، التي تصنف اقتصاديا بأنها ليبرالية جديدة ولكنها معادية لكيانات الدولة الديمقراطية على الصعيد السياسي.
مسلمون قدوة ولكن في عوالم افتراضية
السؤال الثاني وربما الأهم بالنسبة لنا هو: ما مدى استعداد الديمقراطيات الغربية الفعلي لفتح الباب أمام فرص متساوية ومنح التقدير لأشخاص من أصول وثقافات أجنبية، بعيدا عن أكثر المسلمين إندماجا الذين يتم إبرازهم عادةً (في الغرب)، وحتى هؤلاء لا نراهم إلا في عوالم الثقافة والإعلام الافتراضية ولا يلعبون في الواقع دورا مهما في السياسة أو الاقتصاد.
فشل التنوع الثقافي كما يزعم ساسة محافظون أمثال ميركل وكاميرون اليوم، لا يجب أن يفهم على أن بعض المسلمين لا يريدون العمل كجزء من مجتمع منفتح، لكنه يشير أيضا إلى أن المجتمع ربما ليس بهذا القدر من الانفتاح الذي يحلو لنا تصوره.
وربما يشعر الساسة المحافظون تحديدا بالإحباط إذا ثبت قريبا أن التعدد الثقافي، رغم إمكانية أن ترفضه بعض الجماعات في المجتمع، كان الحل الأوفر لإشكالية الاندماج مقارنة بالهدف الذي يطمح إلى تعزيز قدرات المهاجرين بغض النظر عن أصولهم، والعمل على تجهيز الكيانات الداعمة من الدولة لهم.
شتيفان فايدنر
ترجمة: ابتسام فوزي