تقدم العرب بالانتخابات الإسرائيلية بارقة أمل وسط الخيبات
الأوضاع استقرت تقريباً عقب الانتخابات الإسرائيلية في السابع عشر من مارس 2015. قبل هذا التاريخ وكذلك أثناء ذهاب الإسرائيليين إلى صناديق الاقتراع، بدا ممكناً أن تشهد البلاد تغييراً في القيادة، إذ أظهرت نتيجة آخر استطلاع للرأي، والذي أجري قبل موعد الانتخابات بأربعة أيام، تقدم "المعسكر الصهيوني"، وهو تحالف بين حزب العمل بقيادة إسحق هرتسوغ و"هاتنوعا"، وهو حزب صغير تقوده وزيرة العدل السابقة ورئيسة الوفد الإسرائيلي المفاوض تسيبي ليفني. كما أظهرت التوقعات الانتخابية سباقاً محموماً بين المعسكر الصهيوني ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحزب الليكود الذي يتزعمه. ولكن مع قدوم الصباح التالي وعدّ معظم الأصوات، بدا نتنياهو أقرب إلى أربع سنوات أخرى كرئيس للوزراء، بعد فوز حزبه بثلاثين مقعداً، مقابل 24 للمعسكر الصهيوني.
وكان نتنياهو قد دعا في ديسمبر الماضي إلى عقد انتخابات مبكرة قبل موعدها المقرر بسنتين، بعد إعفائه لوزيرين في ائتلافه الحاكم من منصبيهما. وقُدّرت نسبة إقبال الناخبين بـ71.8 في المائة، وهي النسبة الأعلى منذ عام 1999، وأعلى من نسبة الإقبال على انتخابات عام 2013، والتي بلغت 67.8 في المائة.
أما الـ4.55 مليون فلسطيني الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة، فهم يُعتبرون بأنهم يعيشون في ظل السلطة الفلسطينية ولا يحق لهم التصويت. لقد كان الاهتمام الفلسطيني بالانتخابات الإسرائيلية في أقل مستوياته، خاصة وأن السباق الانتخابي لم يشر إلى الحرب الأخيرة على قطاع غزة ولا إلى أي حل للصراع القائم، وذلك حتى يومين قبل يوم الاقتراع، عندما أعلن بنيامين نتنياهو أنه في حال إعادة انتخابه، فإنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو تراجع عن سياسته التي اتبعها منذ ست سنوات.
خيبة أمل واسعة النطاق
ولكن في ما استمرت القيادة الفلسطينية في تصديق أن اتفاقية أوسلو ستفضي إلى عملية سلام حقيقية في ظل حكومة إسرائيلية مختلفة - رغم أنها لم تعلن ذلك رسمياً - إلا أن خيبة الأمل كانت الشعور المسيطر على الشارع الفلسطيني، وهو ما أدى إلى حالة من اللامبالاة بنتيجة الانتخابات.
وفي يوم إعلان النتائج، يقول راندي فريد، وهو عامل فلسطيني يبلغ من العمر 24 عاماً ويجلس في أحد المقاهي بمدينة رام الله: "لا يهمني من سيفوز لأنني لا أنتمي إليهم (الإسرائيليين). بغض النظر عمن سيكون في سدة الحكم، فإن الأمور ستتكرر - الحرب وانعدام السلام وانهيار الاقتصاد". فريد أعرب عن رأي أغلب سكان رام الله، والتي تحولت إلى العاصمة الفعلية للضفة الغربية. فمنذ يناير 2015، تتحفظ إسرائيل على أكثر من 100 مليون دولار من عائدات الضرائب التي تجمعها كل شهر نيابة عن السلطة الفلسطينية، ما كان له أثر مدمر على الاقتصاد الفلسطيني.
من جانبه، يقول رامي صالح، مدير فرع مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان في القدس: "لم أفاجأ بالنتائج". ومثل كثير من سكان القدس الشرقية الفلسطينيين، يعتبر صالح مقيماً دائماً وليس مواطناً في إسرائيل، وبالتالي لا يمتلك حق التصويت في الانتخابات.
يضيف صالح بالقول: "أعتقد أن الانتهاكات ضد الفلسطينيين ستتصاعد، سواء في ما يتعلق بإخلاء المنازل ومصادرة الأراضي والتوسع في بناء المستوطنات بالضفة الغربية. كل هذه ستزداد، ما سيؤثر سلباً على سكان القدس الشرقية. لكن من الواضح أن السلطة الفلسطينية لن تكون قادرة على أن تقول إن هناك شريكاً يمكنها التفاوض معه، بعكس ما إذا فاز ائتلاف يساري بالانتخابات. إن قادتنا السياسيين محصورون في زاوية، ورد فعلهم سيعكس ذلك".
مطالبات بدعم من المجتمع الدولي
وكان عضو اللجنة التنفيذية بمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس الوفد الفلسطيني المفاوض، الدكتور صائب عريقات، قد صرح في بيان بعد ظهور النتائج بأن "نتائج الانتخابات الإسرائيلية تظهر نجاح الحملة الانتخابية المبنية على الاستيطان والعنصرية والفصل العنصري وإنكار حقوق الإنسان الأساسية للشعب الفلسطيني. مثل هذه النتيجة كان من الممكن ألا تحصل إذا حمّل المجتمع الدولي إسرائيل مسؤولية انتهاكاتها الممنهجة للقانون الدولي". ودعا عريقات المجتمع الدولي إلى دعم الجهود الفلسطينية لتحميل إسرائيل المسؤولية، من خلال مقاضاتها في المحكمة الجنائية الدولية والمؤسسات الدولية.
وفي مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، صرح مسؤول رفيع المستوى في البيت الأبيض بأن إدارة الرئيس أوباما قد تكون منفتحة على دعم قرار لمجلس الأمن الدولي يضع قواعد حل للدولتين مبني على حدود عام 1967، مضيفاً: "نحن الآن نواجه واقعاً لا تدعم فيه الحكومة الإسرائيلية المفاوضات المباشرة"، في إشارة إلى تصريحات نتنياهو. وتابع المسؤول بالقول: "وبالتالي، يجب علينا أن نأخذ ذلك بعين الاعتبار في قرارنا حول المضي قدماً".
بذور الأمل: القائمة العربية المشتركة
انحياز إسرائيل الواضع إلى معسكر اليمين دفع بالمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل إلى الزاوية، وذلك قبل فترة طويلة من إعلان نتائج الانتخابات. فقد كان الكنيست صادق على قانون يرفع النسبة الانتخابية اللازمة لدخول البرلمان إلى 3.25 في المائة، ما يعني أن على أي حزب يرغب في دخول الكنيست الفوز بأربعة مقاعد على الأقل.
هذا القانون دفع أربعة أحزاب لتشكيل حلف غير مسبوق يتكون من أحزاب تقدمية يسارية يهودية وإسلامية وقومية فلسطينية، تتنافس في قائمة مشتركة. وبعد فوزها بـ14 مقعداً في الكنيست، فإن القائمة العربية المشتركة بقيادة أيمن عودة من حزب "حداش" تعتبر ثالث أقوى معسكر في السياسة الإسرائيلية. وفي ليلة الانتخابات، عندما كان مئات الآلاف من اليساريين الإسرائيليين يعترفون بهزيمتهم في تل أبيب، كان أنصار ومرشحو القائمة العربية المشتركة يحتفلون في مقر القائمة بأحد الأحياء الصناعية في مدينة الناصرة.
حول ذلك، يقول جعفر فرح، مدير مركز مساواة لحقوق المواطنين العرب في إسرائيل وأحد أنصار القائمة: "القائمة العربية صفعة في وجه النقاش الجاري حول الفصل، والذي كان (وزير الخارجية الحالي وزعيم حزب إسرائيل بيتنا أفيغدور) ليبرمان ونتنياهو يروّجان له. المجتمعات العربية تمد يدها إلى الجمهور اليهودي من أجل تغيير النقاش الحالي في البلاد، وذلك من أجل بناء سلام قائم على المساواة الحقيقية والمشاركة الفعلية".
ورغم أن الفلسطينيين لم "يصوتوا بجموع هائلة"، كما حذر من ذلك نتنياهو يوم الانتخابات، في مسعى أخير ومثير للجدل لتشجيع الناخبين اليمينيين على الذهاب إلى صناديق الاقتراع، إلا أن بعض البلدات والقرى العربية في أنحاء إسرائيل شهدت ارتفاعاً في نسبة إقبال الناخبين. حتى أولئك الذين قرروا مقاطعة الانتخابات يميلون إلى رؤية هذه الوحدة غير المسبوقة كتطور إيجابي.
وفي حديث مع موقع "قنطرة"، يقول مصطفى البرغوثي، رئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية: "القائمة المشتركة ووحدتها يجب أن تكون درساً لنا هنا في الأراضي المحتلة ... إنها المرة الأولى التي تتمادى فيها حكومة إسرائيلية في الترويج للعنصرية ولدولة فصل عنصري، ومن المؤسف أن الجمهور الإسرائيلي قبل هذا الخيار". ويوضح البرغوثي أنه "إذا ما استمروا (الإسرائيليون) في دفن حل الدولتين، ينبغي علينا أن نعلن عن استراتيجية مختلفة. ربما تكون هذه الاستراتيجية خيار حل الدولة الواحدة. وفي غضون ذلك، فإن التحدي ماثل أمام الولايات المتحدة والدول الأوروبية: إذا كانوا بالفعل يعنون ما يقولونه حول حل الدولتين، من الواجب عليهم الآن ممارسة الضغط على نتنياهو. وأقل ما يمكنهم فعله هو الاعتراف فوراً بفلسطين كدولة مستقلة".
إيلينيا غوستولي
ترجمة: ياسر أبو معيلق