قطر تزدهر رغم ضغوط دول مجاورة
قد يتعجبُ المواطن القطري عندما يُسأل عن آثار الأزمة بين الدوحة وبين جيرانها الخليجيين على المواطنين والأسواق وذلك رغم مُضي نحو عام ونصف من الحصار، (بحسب التعريف القطري)، المفروض عليها من قِبل دول الجوار بقيادة المملكة العربية السعودية.
وخلال التجوال في أسواق الدوحة لرصد آراء القطريين، التقينا بالشرطي ناصر علي، الذي كان يشتري ثمار الخيار المزروعة محليا من أحد المحال التجارية فيما كانت الرفوف مليئة بالبضائع لا سيما الحليب وقوالب الجبن المصنعة محليا. يعقِّب الشرطي على الموضوع بأنه "حتى لو لم يسمح لنا السعوديون والإماراتيون بالتحليق ضمن مجالهم الجوي، فسنوجد مجالا جويا جديدا خاص بنا".
وأضاف وعلامات الفخر تبدو واضحة على وجهه "اُنظروا إلى هذا البلد الصحراوي الذي يُنتج منتجات غذائية! لا يوجد لدينا ندرة في الطعام أبدا".
تأتي هذه التصريحات بعد أن قامت المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات ومصر بحظر التجارة والسفر وتوريد كافة المنتجات مثل الألبان والأجبان إلى دولة قطر.
بدورها، سارعت الدوحة إلى الزيادة في إنتاج منتجات الألبان والمواشي، وأعطت أولوية لدعم برنامج الأمن الغذائي، وقد عملت الحكومة على إعادة توجيه الواردات المتواجدة في ميناء حمد الذي تم تشييده حديثا بتكلفة تجاوزت 6.5 مليار يورو.
وقد أحدث قرار وقف الواردات التي تعتمد عليها دولة قطر حالةً من "الهلع" التسويقي في صفوف المواطنين، بيد أنه استمر لفترة قصيرة فقط لتعود وتمتلأ رفوف المتاجر باللحوم القادمة من الأرجنتين، والكافيار الألماني، والخضراوات الإيرانية، وغيرها من السلع التسويقية الأخرى.
وأردف الشرطي القطري الذي يتسوق في المتجر قائلا:" لا نريد المنتجات السعودية ونطالب المحلات والمتاجر بإزالة ما تبقى منها".
قطر والإخوان المسلمون
كان المقصود من الحصار تلقين دولة قطر درسا وذلك لدعمها السياسي للإخوان المسلمين، الذين يُنظر إليهم على أنهم يشكلون تهديداً من قبل الدول التي تفرض الحصار. وطالبت تلك الدول الدوحة بالتوقف عن مساعدة الحركة وإغلاق قناة الجزيرة الإخبارية التي اتهمتها بإشعال نار الربيع العربي. في حين، كررت قطر موقفها الرافض للاستسلام وعدم الإذعان لأي من مطالب دول الرباعية.
إن تعزيز هذه القدرة على الصمود في وجه المقاطعة كان أيضا له آثار سلبية على الدولة الخليجية، فقد انخفض صندوق الثروات السيادي لقطر بعد أن تجاوزت مدخراته 340 مليار دولار قبل بداية الحصار. وكذلك انخفضت أسعار العقارات بالإضافة إلى خسائر أخرى تكبدتها الخطوط الجوية القطرية، خاصة مع تناقص أعداد السياح القادمين بعد اشتعال الأزمة.
في الوقت نفسه، تواظب الدوحة بكل ثقة على تنفيذ وبناء مشاريع البنية التحتية الخاصة بكأس العالم 2022 والتي بلغت تكلفتها زهاء 200 مليار دولار. وتأتي هذه الثقة التي تبدو لدى مسؤولي دولة قطر، من احتياطاتها من الغاز الطبيعي، وهي ثالث أكبر احتياطي في العالم.
ومؤخرا ذكر تقرير لصندوق النقد الدولي أن قطر واصلت نموها وكذلك عدلت وكالة التصنيف العالمية ستاندر آند بورز مكانة قطر من السلبية إلى حالة الاستقرار.
فرص عمل
وفي ذات السياق، قال رجل الأعمال القطري إبراهيم العمادي، والذي تربطه صلة قرابة بوزير المالية القطري أن الدولة تبذل جهدا كبيرا في مجال فتح آفاق فرص عمل جديدة، وأوضح: "لم يكن من الممكن أن يكون الأمر أفضل من ذلك"، ويتابع على سبيل المثال أنا لم أعد موزعا للمنتجات كما كان الحال في السابق بل أصبح لدي وكالة تتعلق بوارداتنا".
وأضاف السيد العمادي والذي ينحدر من ثاني أغنى عائلة في قطر: "ساعد إقصاء الوسطاء السعوديين والإماراتيين من السوق القطرية في تحقيق أرباح للقطريين تجاوزت 40%"، كما أن الحكومة أبدت استعدادا لتقديم الدعم المالي، بحسب قوله.
مشاركة النساء في الجيش
عندما طلبت قطر من رجال أعمالها أخذ زمام المبادرة، قطعت الدولة مهمة كبيرة على نفسها أيضا، وعززت من قدراتها الدفاعية. فقد انفقت الحكومة القطرية عشرات المليارات من الدولارات على منظومة للأسلحة المتقدمة، وأعلنت عن شراء 36 طائرة أمريكية من طراز إف 15 و12 طائرة مقاتلة من طراز رافال الفرنسية و 24 طائرة مقاتلة من طراز يورو فايتر تايفون، فضلا عن البدء في بناء قاعدة بحرية جديدة هذا العالم وتخطط لمضاعفة قواتها البحرية بحلول عام 2025.
وفي إطار استراتيجية الدوحة الدفاعية لحماية 300 ألف مواطن قطري عملت الدولة القطرية على توسيع برنامج الخدمة الوطنية من ثلاثة أشهر إلى 12 شهرا، كما وسمحت للنساء بالتطوع في إتمام الخدمة المدنية، بالإضافة تجنيد مقاتلين من دول مثل السودان وباكستان. واعتبر العمادي أنه لأول مرة ستشارك نساء قطر في صفوف الجيش.
لا مؤشرات على رفع "الحصار"
لم تتصاعد التوترات منذ يونيو/ حزيران 2017 لكن المسافة بين دول الخليج العربية نمت بشكل كبير في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018. إذ لم يحضر أمير قطر قمة مجلس التعاون الخليجي التي عُقِدت في الرياض، بل أرسل وزيرا ممثلا عنه. وكذلك أعلنت قطر عن انسحابها من منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك".
واعتبرت الباحثة في مركز بروكنغز الدوحة، نهى أبو الذهب، أن "الحصار قد غير من طبيعة العلاقة بين دول الخليج العربية، وربما إلى الأبد"، وأضافت أنه "ما لم يكن هناك "تغيير جوهري" في أنظمة أي من تلك البلدان أو قياداتها، فسوف يمر وقت طويل قبل أن نرى تقاربا حقيقيا بين دولة قطر وغريماتها من الدول الأخرى".
أنشال فوهرا - الدوحة
ترجمة: ج. س/ ع.أ.ج
حقوق النشر: دويتشه فيله 2019