نقطة اللاعودة في علاقة قطر بالإمارات والسعودية؟
من دون حل يلوح في الأفق لأزمة الخليج، تزداد مسألة خروج قطر من مجلس التعاون لدول الخليج العربية أهميةً. رغم النقد القوي الموجّه للقيادة القطرية وللدعوات المتقطعة من قبل بعض دول اللجنة الرباعية العربية إلى إخراج قطر من مجلس تعاون دول الخليج العربية، إلا أن الطرد الرسمي للدوحة من الكتلة سيمثّل تحدياً جدياً للسعوديين والإمارتيين، لا سيما في أعقاب تقارب الدوحة-طهران وعلاقات أنقرة-قطر الأوثق من أي وقت مضى. أما فتح جبهة أخرى على عتبة السعودية-الإمارات فسيحتاج موارد أخرى، خاصة إن حذت عُمان والكويت حذو قطر. وبدلاً من ذلك، يحاول السعوديون عزل قطر بقدر المستطاع، لكن دون نجاح يذكر. كما أنه ليس من الواضح إن كانت عُمان والكويت ستسايران وتقبلان الهيمنة السعودية-الإماراتية، لا سيما في ضوء إعلان كانون الأول/ديسمبر 2017 الإماراتي، والذي يتوقع شراكة اقتصادية وأمنية مع السعوديين، بشكل منفصل عن مجلس التعاون الخليجي. وهذا يعكس الانقسامات العميقة بين دول الخليج وفي النهاية يلقي ظلالاً من الشك -في الصميم الوجودي بالفعل- على مستقبل مجلس التعاون لدول الخليج العربية. تقارب براغماتي مع إيران
منذ بدء الحصار، وقّعت قطر عدداً من الاتفاقيات التجارية والأمنية والعسكرية وغيرها. كما أن تقارب قطر مع تركيا وإيران له أهمية خاصة: يرى بعض المحللين فيه ملامح كتلة إقليمية جديدة آخذة في التبلور. فدائماً ما بذلت إيران وقطر الجهود للحفاظ على علاقات عمل، وتعايش في المياه العاصفة للخليج العربي، بينما تتشاركان أكبر حقل غاز على الأرض: حقل الشمال للغاز. ومنذ حزيران/يونيو 2017، تحولت إيران إلى طريق تجاري حيوي لقطر، لا سيما بالنسبة للبضائع القادمة من تركيا وأذربيجان. حتّى أن قطر وتركيا وإيران، وفي سبيل تكثيف التبادلات التجارية والتقليل من تعقيدها، وقعت اتفاقية ثلاثية لتسهيل نقل البضائع التجارية والعبور. وبالنسبة لسيليفا كولومبو، رئيسة برنامج البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط في المعهد الإيطالي للشؤون الخارجية (IAI)، فإن "القرار القطري بإصلاح علاقاتها مع إيران هو حركة براغماتية من أجل تخطّي العزل والحصار اللذين اختبرتهما قطر طيلة أشهر. وبهذه الخطوة الدبلوماسية، أرسلت قطر رسالة لجيرانها مفادها أنها لاعب مستقل". في حين أن برزيميسلاف فوسيفتش من معهد الشرق الأوسط في العاصمة واشنطن، يعتقد أيضاً أن التحالف القطري-الإيراني شديد البراغماتية والفعالية. ويضيف: "بيد أنه ليس مرتكزاً على أي قاعدة إيديولوجية أو عرقية، وهذا قد يجعله معرَّضاً للضعف الشديد أمام أي تغيرات في المنطقة". أما السؤال الكبير فهو ما الذي نتوقعه حين ينتهي أو إذا انتهى الخلاف الخليجي؟ هل ستخفّض قطر من علاقاتها مع طهران بصورة تلقائية بغية إصلاح علاقاتها مع الرياض وأبو ظبي؟ وفقاً لكولومبو، قد لا يكون ثمة سبب يذكر لتوقّع أي تغيير رئيسي في توجه السياسة الخارجية القطرية، التي ستبقى مستقلة. فالدوحة لا تقوم بحساب درجة تقاربها مع طهران؛ في الواقع، ومهما حدث، ستترك الدوحة دائماً بعض قنوات التواصل مفتوحة مع الجمهورية الإسلامية.
أما فوسيفتش، من الناحية الأخرى، يعتقد بأنه إن قدمت السعودية وبقية أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية عرضاً جيداً بمافيه الكفاية وجددت المحادثات والاتصالات مع الدوحة، فإن قطر قد تقطع كل العلاقات مع طهران: "ليست السلطات القطرية هي العازمة على التقارب مع إيران، بل دول مجلس التعاون هي التي تدفع قطر باتجاه إيران". التحالف مع تركيا أكثر واقعية التحالف بين قطر وتركيا هو أكثر واقعية: هم يدعمون نفس الحركات والفاعلين غير الحكوميين، بينما يتشاركان تقريباً وجهات نظر متماثلة حول العديد من القضايا الإقليمية. وفي حزيران/يونيو 2017 صادق البرلمان التركي على مشروع قانون دفاع ثنائي وُقِّع مسبقاً مع قطر خلال جلسة تشريعية سريعة. كما تنوي تركيا أيضاً زيادة تعداد جنودها في قطر إلى 3000 والإبقاء على فرقة عسكرية في قاعدتها في الدوحة. وقد صرّح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بصورة واضحة، في وقت سابق من هذا العام 2018، أن تركيا ستدافع عن قطر -وفي إشارة إلى الانقلاب الفاشل في العام السابق 2016- أضاف أن البلد "ستواصل تطوير علاقاتها مع قطر، كما هو الحال مع كل أصدقائنا الذين ساندونا في أصعب الأوقات".بيد أنه رغم وجود قضايا تقرّب الدولتين بعضهما من بعض، لا سيما فيما يتعلق بالإمكانيات الحالية لكل من النزاع والتنمية التجارية في الخليج، إلا أن العلاقات الدبلوماسية تتسم أيضاً ببعض الاختلافات الرئيسية. فالعائق الأكبر أمام مزيد من التقارب هو سوريا.
إذ تجلس كل من قطر وتركيا على جانبين متعارضين من طاولة التفاوض مع إيران -لا يبدو من المرجح أن تتوصل الدول الثلاث إلى توافق في الآراء. غير أنه، وكما يلاحظ فوسيفتش، فإن عملية السلام في الأستانة، التي استهلتها روسيا، وتركيا وإيران تبدو حالياً أنها أكثر فاعلية بكثير وواعدة أكثر من عملية جنيف. واذا ما انضمت قطر إلى هذا المثلث، فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى تنامي نفوذها في سوريا. وماذا عن الولايات المتحدة الأمريكية؟ وفي نهاية المطاف، دعونا لا ننسى أن قطر لا تزال حليفاً أساسياً للولايات المتحدة، بصرف النظر عن رد الفعل غير المنسّق للإدارة الأمريكية خلال الأيام الأولى لأزمة الخليج الأخيرة هذه. بيد أنه لا يزال ينبغي النظر إلى أي مدى ستؤثر الصلات الأوثق مع إيران وتركيا على العلاقات القطرية-الأمريكية وما الاستجابة التي من الممكن توقعها من الجانب الآخر للأطلسي. فوفقاً لكولومبو، ستعتمد استجابة الولايات المتحدة بشكل كبير على مدى استعدادها لدعم المملكة العربية السعودية في محاولاتها لكبح إيران ونفوذها. فيما يلاحظ فوسيفتش أن أي نوع من التقارب بين إيران وقطر سيُفهم في واشنطن بوصفه تهديداً مباشراً للأمن القومي والمصالح الأمريكية في المنطقة. بيد أنه كلما طال أمد الخلاف وأقيمت الصلات الأوثق والاتفاقيات الجديدة بين قطر، وإيران وتركيا، كلما أصبح من الأصعب كسرها. ستاسا سالاكانينترجمة: يسرى مرعيحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de