''ما يجمع أطراف المعارضة السورية هو إسقاط نظام الأسد''
نسمع في الوقت الراهن الكثير عن "معارضة" النظام السوري. فمن يقف خلف هذه المعارضة؟
رفيق شامي: خرجت هذه الثورة من حشود الجماهير الذين ضاقوا ذرعًا بهذا النظام. والذين ينتمون إلى صفوف المعارضة هم جميع الذين يشاركون في المظاهرات؛ جميع الذين يدعمون هؤلاء المتظاهرين المطالبين بالحرية والديمقراطية. وفي هذه الأثناء صار العديد من الأطراف الذين كانوا صامتين طوال الوقت ينضمون إلى صفوف المعارضة. وحتى أنَّ البعض يزعمون أنَّهم كانوا مع المعارضة منذ البداية.
تتكوِّن المعارضة السورية من جماعات كثيرة ومختلفة - من الأخوان المسلمين وأحزاب شيوعية صغيرة وأكاديميين شباب - فما الذي يجمع بين هذه الجماعات المختلفة؟
شامي: ما يجمع الآن بين هذه الجماعات هو الهدف الرامي إلى إسقاط الأسد. ولكن هذه ليست رابطة قوية، بل هي مجرَّد رابطة استراتيجية، مجرَّد وحدة في جبهة مؤقتة. وأعتقد أنَّ الانفصال سوف يأتي في وقت قريب. وعندما يضعف النظام، يجب على كل جماعة أن تقدِّم برنامجها المستقبلي، أن تبيِّن ما هي الدولة التي نريدها. وآمل أن يجري هذا العراك بشكل سلمي، لأنَّ هناك دائمًا خطرًا يهدِّد بالانجرار إلى حرب أهلية.
هل ترى اختلافًا عن المعارضة في تونس أو مصر؟
شامي: أرى الاختلاف في قساوة رد الحكومة التي تتعامل مع المتظاهرين بغاية العنف والوحشية. وهذا التعامل أرعب حتى أصدقاء النظام. ولكن المدهش أكثر هو طول نفس الثورة. لم أكن أفكر في حياتي قطّ أنَّ تدخل الثورة في شهرها الرابع بما يزيد عن ألفي قتيل وبأكثر من خمسة وعشرين ألف معتقل. ومع ذلك فالسوريون يخرجون في كلِّ يوم إلى الشوارع - ليس فقط في أيَّام الجمعة، بل كلَّ يوم. وهذا هو الاختلاف عن الاحتجاجات التونسية الناجحة التي استمرت فترة قصيرة والاحتجاجات المصرية التي استمرت فترة أطول، والتي سارت كثيرًا أو قليلاً بصورة سلمية - مع كلِّ التجاوزات التي ارتكبتها المخابرات هناك.
ما الذي يجعل القضاء على بشار الأسد صعبًا كثيرًا بالنسبة للمعارضة السورية؟
شامي: قوة ومتانة نظامه. يوجد في سوريا خمسة عشر جهاز مخابرات تعمل بشكل منظم وذكي جدًا. ومن يدعم المخابرات السورية إما أن يكون ساذجًا جدًا أو أنَّه لم يقرأ ما فيه الكفاية. وبالإضافة إلى ذلك لا يشارك العلويون وحدهم في النظام، بل كذلك جميع الطوائف الأخرى. والعلويون يشكِّلون نخبة الدولة والشخصيات القيادية. ولكن السنة والمسيحيين والدروز والشركس أيضًا يعملون يدًا بيد مع هذا النظام. لقد أدَّت فترة حكم النظام طويلة الأمد ووجود العديد من أجهزة المخابرات التي تغلغلت في كلِّ شيء، بالإضافة إلى رضا مختلف الفصائل على النظام - التي تمت مراضاتها ورشوتها، وكذلك تضامن ذوي الدخل المتوسط والعالي إلى إضعاف المعارضة في سوريا. ضعفت المعارضة مع استخدام القبضة الحديدية ضدّ كلّ من يتحرَّك والتعامل من دون رحمة أو شفقة مع المنفيين. فنحن أكثر من نصف مليون أكاديمي ومثقف في الخارج - وهذا عدد كبير من المزعجين الذين يجب إبقاؤهم في الخارج.
على ذكر المزعجين هل تعدّ نفسك من المعارضة السورية؟
شامي: لقد عارضت منذ البداية هذا النظام، وذلك لأنَّني فهمت منذ البداية أنَّ هذا النظام يمثِّل العودة إلى حكم العائلة؛ إذ لم يعد يوجد لدينا حكم جمهوري. كما أنَّ الجمهورية لا تورَّث، وهذا البرلمان الغبي الذي يصوِّت بالإجماع على التوريث، لا يعتبر بالنسبة لي برلمانًا. لقد كنا في الخمسينيات جمهورية عنيدة ورائعة جدًا، عشتها عندما كنت ما أزال شابًا. وكانت توجد فيها انتخابات حقيقية وصحف حقيقية، ولم يكن لدينا أي سجين سياسي، كما أنَّنا كنا نعيش بحرية ولم يكن لدينا خوف من الحكومة. لقد كنا نجرؤ على توبيخ أي كان - هكذا كانت سوريا في طفولتي وشبابي. وفجأة جاء نظام سرق كلَّ الحرّيات ونفاني - لهذا السبب أنا معارض منذ البداية. ولكني لا أنتمي إلى أي جماعة أو حزب. وأنا مع الدولة العلمانية، وهذا يعني أنَّني مع الفصل بين الدولة والدين. وأنا كذلك مع التنوّع ومع حرية أصحاب الفكر المختلف.
هل يعني هذا أنَّك تدعم المعارضة في سوريا؟
شامي: أنا أدعمها مثلما يجب أن يفعل في الواقع كلّ المثقفين؛ أي من خلال المضي قدمًا بالنقاش وسؤال المعارضة: ماذا تريدون بعد ذلك؟ لا تقولوا لي فقط إنَّكم تريدون إسقاط الأسد! ما هي الدولة التي تريدونها؟ وماذا عن حقوق المرأة؟ وماذا عن حرّية تعليم الأطفال؟ وماذا عن حكم العائلة؟ هذا يعني أنَّ من واجب المثقفين في الخارج أن يفعلوا بالضبط ما أفعله أنا، أي المضي قدمًا بالنقاش والتحذير من الطائفية والانتقام. فالغرض من أي ثورة ليس اختيار مجموعة ما لتكون كبش فداء. الثورة يجب أن تحرِّرنا وتمنحنا الشجاعة لنتصافح. هذا ما أرجوه لمستقبل سوريا.
كيف يمكن لألمانيا دعم المعارضة السورية؟
شامي: يجب علينا أن نكون جديرين بحرِّيتنا وديمقراطيتنا التي كان ثمنها في ألمانيا باهظًا جدًا. يجب أن نلتزم بها. الحرِّية لا تعني فقط تمكننا من اختيار مكان لقضاء الإجازة، بل تعني أيضًا شعورنا مع الآخرين. نحن نستطيع فعل ذلك من خلال قولنا بوضوح وجراءة كلمة واضحة من أجل ديمقراطية وحرِّية سوريا والتحذير من استخدام العنف ضدّ المتظاهرين. ولكن اللغة المستخدمة في برلين لغة فيها مراوغات. وهذا يقلّل شيئًا ما من شأن السياسيين الألمان، ويجعلهم يقفون دائمًا في الصف الثاني. الأمر الذي يزعجني قليلاً، لأنَّني أعيش هنا منذ أربعين عامًا وأحب هذا البلد الذي أعطاني وطنًا ولغة. ويؤسفني كثيرًا أن نمثِّل من ناحية قوة صناعية عالمية كبيرة، ومن ناحية أخرى نريد دائمًا على المستوى السياسي لعب دور الطفل الصغير. لا يجوز لنا الانتظار حتى تقرِّر لنا السيدة كلينتون. فالسيدة كلينتون باردة جدًا تجاه سوريا، إلى درجة أنَّ السوريين صاروا يضحكون عليها.
أجرت الحوار أنِّه ألميلينغ
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: قنطرة 2011