تطبيع التحرش الجنسي في المجتمع سينمائياً
التقى خلال مهرجان "تشويش" الذي تم تنظيمه من قبل معهد غوته مجموعة من الفنانات والمثقفات من شمال إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط لمناقشة الصور النمطية المرتبطة بالنوع الاجتماعي أو الچندِر. وصل هذا المشروع الضخم إلى ثاني محطاته في القاهرة بعد بروكسل ليوحِّد مختلف المواقف النسوية.
القاهرة مدينة صاخبة و"التشويش" فيها في كل مكان؛ ما بين الهرج والهرج وضوضاء المرور وتراتيل المؤذنين. تشير كلمة تشويش في اللغة العربية إلى تلك الأصوات الخلفية التي تشوِّش على المكالمات التلفونية مثلًا أو ذلك الصخب الذي يتعالى حين يحتشد الناس. وخلال مهرجان معهد غوته الذي اتخذ نفس الاسم التقت مجموعة من الناشطات في المجال النسويّ للتواصل وتبادل الرؤى والأفكار.
وقد حضرت فعاليات المهرجان في ثاني محطاته بالقاهرة فنانات وباحثات وناشطات من جميع البلدان المتحدِّثة باللغة العربية كلغة رسمية وكذلك من مختلف البلدان الأوروبية. فبعد انطلاق فعالياته في بروكسل انتقل المهرجان في الفترة من 6 إلى 12 نوفمبر / تشرين الثاني 2018 إلى أكبر المدن الإفريقية ليوفر منبرًا للأصوات النسائية العديدة ومنصة لجذب أطراف النقاش حول الصور النمطية المرتبطة بالنوع الاجتماعي أو الچندِر. أكَّدت يوهانَّا كِلَر، مديرة قسم البرامج الثقافية بمعهد غوته القاهرة، في كلمتها الافتتاحية أن "تشويش" مشروع ضخم استغرق الإعداد له عامين.
نقد تطبيع الأوضاع غير الطبيعية
وكانت سلمى الطرزي واحدة من الناشطات في المجال النسويّ اللاتي قدَّمن عملهن في إطار المهرجان. تتطرَّق مخرجة الأفلام الوثائقية الحائزة على عدة جوائز في الوقت الراهن إلى مسألة التمييز الجنسي في الأفلام المصرية التجارية. قدَّمت سلمى الطرزي القاهرية عملًا مركبًا وألقت محاضرة أوضحت فيها كيف يتم تطبيع الاغتصاب والتحرُّش في السينما وهو ما يعكس ويجسِّد الظروف المجتمعية في الوقت نفسه. قامت سلمى الطرزي البالغة من العمر أربعين عامًا بعرض مشاهد اعتداءات من بعض الأفلام المعروفة، وخلال عرض تلك المشاهد ضحك بعض الحضور من الرجال.
بدا الغضب واضحًا على المخرجة وعلَّقت في نهاية المحاضرة قائلة: "هذا الذي نضحك عليه ليس سوى اعتداء جسدي ومحاولات اغتصاب وانتهاكات. كيف يمكن لأحد أن يرى مثل هذه المشاهد ويظن أنها مضحكة؟ ها هي قد أصبحت أمورًا طبيعية تمامًا"، فرد عليها الجمهور بموجة من التصفيق. إنه نوع من أنوع التواصل النسوي القائم على الأداء.
الكلمة المنطوقة في مواجهة التمييز
وكذلك شهدت خشبة المسرح بمهرجان تشويش تبادلًا للرؤى والأفكار من خلال العروض الأدائية وحلقات النقاش وورش العمل والحفلات الموسيقية والقراءات الأدبية ومقطوعات الدي چي الموسيقية، حتى أن معظم مقارّ الفعاليات امتلأت عن آخرها بالحاضرين.
وفي مساء يوم السبت أدارت المؤدية البلجيكية سميرة صالح فعالية قائمة على فن الكلمة المنطوقة قدَّمت الناشطات النسويات في إطارها عروض فنية تحررية على خشبة المسرح. أما الفنانة البرلينية منى موون فقد علَّقت قائلة: "أشكركم على إتاحة الفرصة لي للظهور هنا وعلى استقبال القاهرة الحار الذي لم ألقَ مثله بتاتاً في ألمانيا".
لسنا جميعًا في نفس القارب
من شأن مشاركات الناشطات النسويات غير البيض القادمات من الدول المتقدمة أن تقضي على الظروف المولِّدة للنزعات الاستعمارية. وفي هذا الصدد تطرَّقت الباحثة الهندية نيكيتا داڤان إلى عدة قضايا ومن بينها مسألة النسوية البيضاء في ألمانيا.
جدير بالذكر أن نيكيتا داڤان باحثة في العلوم السياسية ومحاضرة في جامعة إنسبروك وواحدة من أبرز الباحثات في نظريات ما بعد الاستعمار بالمنطقة المتحدثة باللغة الألمانية. تقول نيكيتا: "يزعم عالم الاجتماع الألماني، بِكّ، أننا جميعًا في نفس القارب. أما أنا فأقول: ربما نكون جميعًا بصدد الوجود في نفس العاصفة ولكننا لسنا جميعًا في نفس القارب". وانتقدت الفكرة التي تفترض وجود علاقة أخوية بين جميع نساء العالم.
علت أصوات الناشطات النسويات
عبَّرت الرسَّامة إيمان إبراهيم عن حماسها بالمهرجان قائلة إن "هذا المهرجان لهو فرصة عظيمة بالنسبة لي كفنانة مصرية شابة"، مشددة على أهمية الالتقاء مع شباب آخرين من العالم العربي والبلدان الأوروبية.
تقدَّمت إيمان للمشاركة في المهرجان من خلال الدعوة المفتوحة الموجَّهة للفنانات والناشطات والأكاديميات من جميع أنحاء العالم العربي. واستطردت إيمان البالغة من العمر 28 عامًا قائلة: "التقيتُ للتو بفنانتين مصريتين لأول مرة. وهو ما يعني أننا نتواصل على المستوى المحلي أيضًا وليس فقط على المستوى الدولي. وهذا أمر رائع!".
وها هي أصوات الناشطات النسويات تعلو شيئًا فشيئًا، لتتعدى مرحلة كونها تشويشًا وتُسمع أصواتهن في جميع أنحاء العالم.
كارِن ميزِنبِرغَر
حقوق النشر: معهد غوته 2018