طريق لجوء جديدة عبر البوسنة وكرواتيا إلى أوروبا
نساء وأطفال بين أفواج اللاجئين. يعيشون في خيم عشوائية في أحسن الأحوال. ويوميا يكبر المخيم في ساحة عشب في فليكا كلادوزا في البوسنة والهرسك. إنهم اللاجئون الجدد في طريق البلقان. لقد نجحوا في الوصول إلى أبواب الاتحاد الأوروبي. فكرواتيا ليست بعيدة ويمكن الوصول إليها مشيا على الأقدام. هم يريدون التوجه إلى هناك ثم متابعة الرحلة بسرعة إلى الشمال. وإذا كان الجو ممطرا، فإن الوضع يكون سيئا: خيم مبللة والوحل في كل مكان. "هذا ليس مخيم لاجئين. في صربيا كان الوضع جيدا، كنا نتلقى الأكل ونحصل على ملابس وخيم جيدة. هنا ليس لدينا شيء"، يشتكي "قاسم" من باكستان. قبل ستة أشهر انطلق في رحلته إلى أوروبا، عبر إيران وتركيا واليونان ومقدونيا وصربيا. وهو الآن يتحين الفرصة في البوسنة والهرسك لمواصلة الطريق. قاسم كان سائق شاحنة في بلده، اضطر إلى اللجوء خوفا على حياته. وهو يقول بإنكليزية جيدة بأن حركة طالبان تنشط في المنطقة الحدودية التي ينحدر منها. الشرطة تسرق وتضرب... حاليا تأتي غالبية اللاجئين الموجودين في البوسنة والهرسك من باكستان، كما يقول وزير الأمن دراغان مكتيش. وهو يعتبر أنهم يهربون في الغالب لأسباب اقتصادية، وليس لأنهم مهددون. "ولا يمكن لنا استقبال مهاجرين اقتصاديين"، يقول بكل وضوح أثناء مؤتمر صحفي. إلا أن الرجال في المخيم في فليكا كلادوزا ينفون ذلك. فهم يتحدثون باستمرار عن طالبان وعن الجيش وانعدام الأمن. ويرددون بأن تلك هي الأسباب التي تجعلهم يغادرون وطنهم.
والوافدون من باكستان هم في الغالبية رجال. والعائلات تأتي في الغالب من أفغانستان وسوريا أو العراق. "حاجي" موجود هنا مع زوجته وطفلين صغيرين، وهم في طريق الهجرة منذ شهرين. هو ينحدر من الموصل في العراق. ويعتقد أنه لا يمكن العيش هناك حتى بعد 20 عاما. وهدفه هو الوصول إلى الاتحاد الأوروبي بالرغم من أنه لا يعرف كيف ستصل عائلته إلى هناك. ويحكي بأن رجال شرطة كرواتيين ولصوصا أخذوا منهم في البوسنة كل ما يتوفرون عليه من مال. وهو غاضب بشكل خاص من الشرطة الكرواتية. فخلال محاولة عبور الحدود أخذوا منه إلى جانب 1000 يورو هاتفه النقال. فبالنسبة إليه هم أسوأ من مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ثم يضع أصبعه على رأسه ويقول: "داعش يقتلك. وهذا أفضل من البقاء بدون أي شيء". "حاجي" يقول إن مهربا بوسنيا احتال عليه، إذ أخذ منه المال ولم ينقله هو وعائلته عبر الحدود. مجموعة من السوريين في الخيمة المجاورة تحكي ما يشبه ذلك، إذ إنهم تعرضوا خلال محاولة عبور للحدود للضرب من طرف الشرطة الكرواتية والسرقة وأرسلوا إلى البوسنة. لدينا انطباع بأن هذا المخيم خارج فليكا كلادوزا وصله في الغالب أفقر اللاجئين، في الغالب عائلات مع أطفال، ومهاجرون منهكون جسديا وماليا بسبب الطريق الطويل خلفهم. ويوجد في آن واحد آلاف المهاجرين من الجزائر والمغرب وسوريا وفلسطين وأفغانستان وباكستان وبلدان أخرى موزعين على المدينة. والكثير منهم استقر داخل بيوت مهجورة ـ ما يثير غضب السكان المحليين. و"طريق البلقان القديم" كان يؤدي في السابق من اليونان عبر مقدونيا وصربيا في اتجاه كرواتيا أو المجر، لكن ومنذ بداية السنة توجد طريق جديدة. وبما أن الحدود الصربية مع الاتحاد الأوروبي شبه مغلقة، فيحاول المهاجرون الآن العبور عبر البوسنة والهرسك إلى كرواتيا. والمهاجرون يجتمعون في الغالب في مركزين في غرب البلاد: في فليكا كلادوزا وبيهاج. هناك تم إلى حد الآن تسجيل نحو 3.500 لاجئ من بين مجموع حوالي 7.000 وصلوا إلى البوسنة. وقصص سكان هاتين المدينتين، الذين استقبلوا في بيوتهم خلال شهور فصل الشتاء البارد العديد من المهاجرين، وطبخوا لهم الطعام، راجت في كل أنحاء العالم.
الأجواء تتغير وفي الأثناء تتغير الأجواء بسبب العدد الكبير من اللاجئين العالقين هناك. في كلا المدينتين تم تشييد مراكز للاجئين، إلا أن الدولة رفضت تقديم المساعدة المالية. فالمهاجرون في هذه المراكز يحصلون فقط على وجبة طعام يومية ـ وهذا فقط بفضل تبرعات المواطنين ومساعدة الصليب الأحمر والمنظمات غير الحكومية. "نحتاج يوميا إلى ألفين أو ثلاثة آلاف يورو لتمكن من ممارسة عملنا إلى حد الآن. ونحن على هامش ما هو ممكن. وإذا ما تراجعنا، فإن فوضى كبيرة ستتفجر هنا"، يقول حسين كليتشيش من الصليب الأحمر المحلي. والنواب أعلنوا عن تنظيم احتجاج في العاصمة سراييفو إذا لم تأتِ مساعدة عاجلة من الدولة. وفي الوقت نفسه تحذر السلطات المحلية ليس فقط من الوضع الإنساني السيء، بل أيضا من الوضع الأمني الذي يزداد صعوبة. وهذا ينعكس أيضا في مواقع التواصل الاجتماعي حيث ردود الفعل في غالبيتها مناهضة للاجئين. الخوف ومعاداة الأجانب ينتشران. وخبر زائف حول امرأة شابة تعرضت للاغتصاب من مهاجرين في بيهاج انتشرت بسرعة مثل النار في الهشيم. وفي فليكا كلادوزا عقد مجلس المدينة جلسة خاصة بعدما تعرض لاجئ مغربي للطعن بسكين. الاتحاد الأوروبي: لا لمخيمات اللاجئين على الحدود وما يقلق السياسيين بوجه خاص هو أنه لا يمكن التحقق من هوية اللاجئين، لأنهم لا يملكون في الغالب وثائق ويقدمون بيانات زائفة أثناء التسجيل. ويحاول المسؤولون في سراييفو تهدئة الخواطر. ولا توجد مؤشرات توحي بارتفاع الجريمة، كما يقول دراغان لوكاش من الشرطة الفيدرالية. ففي هذه السنة ارتكب مهاجرون في فليكا كلادوزا وبيهاج 18 جنحة، ويتعلق الأمر في الغالب بأعمال سرقة. كما أن الاتحاد الأوروبي أوحى بعدم تمويل إقامة مراكز لاجئين مباشرة على الحدود البوسنية الكرواتية. وزير الأمن مكتيش يعبر عن غضبه ويقول: "ين هي المشكلة؟ هذا الشيء يوجد على الحدود الصربية الكرواتية في سيد، لماذا هنا لا؟". الانتظار والحلم بألمانيا
وبالنسبة إلى اللاجئين الذين يحتشدون في المخيم العشوائي فوق العشب سيكون ذلك تحسينا لوضعهم، لاسيما لو أنهم أجبروا على البقاء هنا حتى الخريف. لكن لا أحد ينوي البقاء إلى ذلك الحين. ويقول "قاسم" من باكستان: "لو كان لدي 2.500 يورو لوصلت في غضون يومين إلى إيطاليا أو فرنسا". فالمهربون لهم تواصل جيد فيما بينهم، فكلما تم إغلاق طريق، يتم إيجاد طريق آخر. وبالتالي يبقى اللاجئون بالقرب من الحدود ويأملون في التقدم في رحلتهم. وتراقب غالبيتهم السحب في السماء، لأنه "عندما تمطر يتدهور الوضع ويصبح صعب التحمل"، كما يقول ميشائيل من نيجيريا الذي يفر تحت الخيمة ويحلم بعيش حياة عادية يوما ما في ألمانيا. أمير بوريتشترجمة: م.أ.محقوق النشر: دويتشه فيله 2018 ar.Qantara.de