"عهد النازية بألمانيا لن يحدث مرة أخرى"
ها هي الأغلبية الصامتة في ألمانيا قد استيقظت. فقد أدَّى نشرُ شبكة كوريكتيف خطط حزب "البديل من أجل ألمانيا" لترحيل المهاجرين إلى دفع الناس الغاضبين للخروج إلى الشوارع. حيث يتظاهر يومًا بعد يوم عشراتُ الآلاف من الناس من أجل ألمانيا ديمقراطية ومُتنوِّعة وضدَّ العنصرية والتطرُّف اليميني. وهذه إشارة واضحة.
ولكن يوجد اليوم أمر جديد: إذ يحتج الآن وبأعداد كبيرة ضدَّ المتطرِّفين اليمينيين أشخاصٌ من الطبقة المتوسِّطة أيضًا. وهم أشخاص قد لاحظوا ولفترة طويلة صعودَ حزب البديل من أجل ألمانيا من دون الكثير من الانزعاج أو المقاومة.
لقد نجح اليمينيون حتى الآن وإلى حدّ كبير في إخفائهم نواياهم الحقيقية على الرغم من أنَّ منظمات المهاجرين كانت تُحذِّر منذ سنين من خطر اليمين المتطرِّف. ولكن حتى ذلك الحين كان السياسيون والكثير من الناخبين الألماني يخدعون أنفسهم بالاعتقاد بأنَّ حزب البديل من أجل ألمانيا بالرغم من كونه حزبًا مثيرًا للجدل لكنه مع ذلك حزب ديمقراطي.
والآن كشفت عن أهدافهم الأبحاثُ السرِّية التي قام بها الصحفيون الاستقصائيون المستقلون في شبكة كوريكتيف. و يجب أن يكون قد اتَّضح للجميع -على أبعد تقدير منذ الاجتماع التآمري الذي عُقد في الخامس والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2023 في مدينة بوتسدام وقد حضره نازيُّون جُدد معروفون وممثِّلون عن حركة أصحاب الهَوِيَّة وأعضاء ما يُسمى باتحاد القيم وكبار أعضاء حزب البديل من أجل ألمانيا- أنَّ: حزب البديل من أجل ألمانيا يخطط لعمليات ترحيل جماعية للأشخاص ذوي الأصول المهاجرة بمن فيهم المواطنون حاملو الجنسية الألمانية. لقد شهدنا في ألمانيا "التطهير العرقي" بحسب معايير عنصرية في عهد النظام النازي - مع عواقبه المعروفة. فهذه ليست أوهامًا بل هي نذير بعودة الفاشية.
تمكُّن حزب "البديل من أجل ألمانيا" من ترسيخ برنامجه
تعتمد القوة الحالية لحزب البديل من أجل ألمانيا -ولا سيما في شرق ألمانيا- على تطوُّرات خطيرة حدثت خلال السنين الأخيرة: فقد سمحت ما تسمى بالأحزاب الشعبية لحزب البديل من أجل ألمانيا بترسيخ برنامجه في النقاش العام، بما في ذلك مثلًا خرافة التهديد المزعوم الذي يُشكِّله العددُ الكبير من المهاجرين - وحتى أنَّ بعض السياسيين من الأحزاب الأخرى قد تبنُّوا هذه الرواية.
والنتيجة أنَّ هذا الموضوع احتل من خلال ذلك مكان الصدارة في وسائل الإعلام، بصرف النظر تمامًا عن الوضع الاجتماعي الواقعي داخل ألمانيا، وقد حصل سياسيو حزب البديل من أجل ألمانيا على صفة الخبراء. وقد أدَّى تركيز حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الحرّ أيضًا على موضوع الحدّ من الهجرة إلى دعم حزب البديل من أجل ألمانيا دعمًا كبيرًا. وقد أسفرت هذه الاستراتيجية عن نتائج عكسية تمامًا.
ولذلك يجب على الأحزاب الشعبية أن تتوقَّف وبشكل عاجل عن تبنِّيها قضايا حزب البديل من أجل ألمانيا وتتوقف عن وضعها في مركز سياساتها الخاصة. فحزب البديل من أجل ألمانيا هو حزب يميني متطرِّف وهو يثير -مثل جميع المتطرِّفين اليمينيين- العنصرية والمعاداة ضدَّ المهاجرين.
وبحسب وجهة نظرهم فإنَّ الهجرة هي مصدر كلِّ الشرور وعندما يخرج من ألمانيا جميعُ الأشخاص ذوي الأصول المهاجرة فعندئذٍ ستُحَل جميع مشكلات البلاد بطريقة سحرية. وهذا بطبيعة الحال محض هراء - بصرف النظر عن حقيقة أنَّ هذه الخطة هي خطة عنصرية ومعادية للبشر وغير قانونية.
وذلك لأنَّ الاقتصاديين والباحثين قد أثبتوا وبكلِّ وضوح أنَّ ألمانيا باتت بحاجة الآن ومع ارتفاع نسبة شيخوخة سكَّانها إلى الهجرة أكثر بكثير من ذي قبل وليس أقل.
إيجاد حلول واقعية لمشكلات حقيقية
وهذا يعني أنَّ الأحزاب يجب عليها إيجاد حلول واقعية للمشكلات الحقيقية القائمة. وإذا كان لا يوجد سوى القليل جدًا من المعلمات والمعلمين في مدارس ألمانيا فإنَّ هذا لا يعود سببه إلى عدد الطلاب أبناء الأسر المهاجرة، بل يجب وبكلِّ بساطة تعيين المزيد من الكوادر التعليمية.
وطالما استمر حزب "البديل من أجل ألمانيا" -وكذلك الأحزاب الأخرى السائرة في ركبه- في تحميل الأقليات في ألمانيا المسؤولية عن أزمة المدارس وأزمة المساكن وجميع الأزمات والمشكلات الأخرى فلن تُبذَل أية جهود من أجل البحث عن حلول للمشكلات القائمة.
وتحاول الأحزاب في ألمانيا اليوم المزايدة على بعضها بمطالبة بزيادة عمليات الترحيل. وبذلك فإنَّ أرخص أشكال الشعبوية -التي لا تتظر إلَّا إلى تحقيق الأغلبية في الانتخابات- باتت تحل محلّ السياسة العقلانية. والمستفيدون الوحيدون من هذه الساسة هم حزب البديل من أجل ألمانيا وجميع المتطرِّفين اليمينيين الآخرين.
ولذلك لا بدّ أيضًا من اتخاذ موقف واضح على مستوى السياسيات الحزبية. وعلى الرغم من أنَّ حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي قد أقرَّ رسميًا بعدم التوافق مع حزب "البديل من أجل ألمانيا" ولكن الأحزاب الشعبية الكبرى تتسامح على المستوى المحلي والبلدي مع حزب "البديل من أجل ألمانيا"؛ وكثيرًا ما يُصوِّت بالذات الحزب الديمقراطي الحرّ -الحزب الليبرالي- مع الكتل البرلمانية التابعة لحزب "البديل من أجل ألمانيا".
ولا بدّ بكلِّ تأكيد من أن يتوقَّف ذلك. لا يجوز للأحزاب الشعبية أن تعمل على تطبيع الفاشيين بل يجب عليها دائمًا وأبدًا الوقوف ضدَّهم ومن دون قيد أو شرط - ويجب عليها بطبيعة الحال ألَّا تدعم بتاتًا حزب "البديل من أجل ألمانيا" لأسباب خاصة بالتكتيكات الانتخابية وسياسية القوة.
رفض واضح من المعسكر الشعبي المحافظ
ويرفض المواطنون الألمان الآن وبكلِّ وضوح هذا الموقف الانتهازي. ويخرجون بمئات الآلاف إلى الشوارع: أشخاص مسِنُّون وعائلات مع أطفالها وألمان من أصول مهاجرة ومن أصول ألمانية وناس من مختلف شرائح المجتمع، ولكن توجد من بينهم أيضًا أغلبية كبيرة من المعسكر الشعبي المحافظ.
وهذه المظاهرات تُعتبَر بمثابة تحذير لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي مفاده أنَّ: الناخبين يرفضون بكلِّ وضوح السياسات العنصرية التي يتَّبعها حزبُ "البديل من أجل ألمانيا". وهذا يعني أنَّ التحالف مع حزب البديل من أجل ألمانيا سواء على مستوى الولايات أو حتى على المستوى الاتحادي سيكون عملًا محفوفًا بمخاطر كثيرة جدًا بالنسبة لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي.
ولكن هل انتبه حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي لهذه الإشارة التحذيرية وأدرك أنَّها موجَّهة له هو بالذات؟ وكيف تتعامل الحكومة الآن مع الاحتجاجات؟ وهل ستبدأ إجراءات حظر حزب "البديل من أجل ألمانيا"؟ وعلى أية حال فإنَّ الانتظار من دون فعل أي شيء حتى يُنجَز كلُّ شيء من تلقاء ذاته ليس خيارًا جيدًا.
المهاجرون يسهمون في تأمين مستقبل ألمانيا
وسائل الإعلام جزء من المشكلة
من الواضح أنَّ وسائل الإعلام تُمثِّل جزءًا من هذه المشكلة، وذلك لأنَّها تقلل من أهمية نشاطات الدعاية الشعبوية اليمينية. فالحزب المُنتخب ديمقراطيًا ولكنه مع ذلك لا يدافع عن أهداف ديمقراطية لا يمكن معاملته ببساطة كأي حزب آخر.
كما أنَّ الاستمرار في منح مثل هؤلاء السياسيين -ومنح مؤيِّديهم- الوقت للحديث حتى يتمكَّنوا من مواصلة نشر رسائلهم المعادية للبشر يُعتبَر عملًا هدَّامًا: وذلك لأنَّ الخطاب العام بمجرَّد أن يشير ضمنًا إلى أنَّ حزب البديل من أجل ألمانيا هو الحزب الأكثر طرحًا للقضية الأكثر سخونة -وتحديدًا قضية الحدّ من الهجرة- فإنَّ هذا يمنح المتطرِّفين اليمينيين دفعةً هائلة.
والأهم من ذلك بكثير هو منح الأشخاص المتأثِّرين بشكل مباشر بهذه السياسة المعادية للبشر -وتحديدًا الأشخاص المنحدرين من عائلات مهاجرة- الفرصة للتعبير عن آرائهم. وماذا سيحدث للأقليات المُهمَّشة في الولايات الاتحادية التي يتمتَّع فيها حزبُ البديل من أجل ألمانيا بفرصة حقيقية للفوز في انتخابات الولايات القادمة؟ وهؤلاء الأشخاص نادرًا ما يظهرون في النقاش العام، على الرغم من تعرُّض أمنهم وسلامتهم لتهديد ملموس.
ويجب على وسائل الإعلام أيضًا أن تستضيف أمام الكاميرات ناخبات وناخبين لا يمنحون أصواتهم لحزب البديل على الرغم من صعوبة أوضاعهم الاقتصادية الشخصية بل يدعمون الديمقراطية دعمًا ثابتًا، بعكس غيرهم ممن يمنحون أصواتهم من باب الاحتجاج لحزب البديل. فلماذا لا نسمع عنهم سوى القليل؟
"نحن أيضًا من مواطني هذه الدولة"
لقد بات من الواضح الآن فقط ومع خروج مئات الآلاف إلى الشوارع أنَّ ما يُعرَف باسم الأغلبية الصامتة ليست إلى جانب الفاشيين. وأخيرًا صارت تُناقِش وبشكل جاد المطالبات بحظر حزب البديل من أجل ألمانيا.
ولكن مع ذلك نادرًا ما يُطرح موضوع كيف يمكن حماية الأقليات العرقية والدينية المعرَّضة لتهديدات جادة من قِبَل المتطرِّفين اليمينيين. مع العلم بأنَّ أكثر من ربع سكَّان ألمانيا لديهم خلفيات عائلية دولية.
لا يجوز أن نقبل ببساطة حقيقة أنًّ الملايين من الناس يشعرون بعدم الراحة ولديهم خوف من فوز حزب البديل من أجل ألمانيا في الانتخابات، وأنًّهم ربَّما باتوا يُفكِّرون فعلًا في مغادرة ألمانيا. نحن أيضًا من مواطني هذه الدولة ويجب أيضًا أن نتمتَّع بالحماية. فنحن نُعتَبَر بالنسبة للمتطرِّفين اليمينيين هدفهم الأوَّل. ونحن غير معنيين بالسياسة الحزبية بل إنَّ ذلك يتعلق بحياتنا.
ومع ذلك يوجد في المجتمع المدني شعورٌ بأنَّ ديمقراطيتنا في خطر. من المعروف أنَّ الصمت علامة الرضا؛ ولذلك تزداد أكثر أهميةُ أن يرفع عشرات الآلاف من الناس أصواتهم وأن يخرجوا إلى الشوارع على الرغم من شدة البرد والثلوج، لكي يزيدوا بذلك الضغوطات على السياسيين.
ومن الواضح تمامًا أنَّ مركز المجتمع الذي كثيرًا ما يدور الحديث حوله يقف في مواجهة الفاشيين - وهذا موقف مطمئِن جدًا. ولكن السؤال هو ماذا سينتج الآن عن ذلك وما هي الاستنتاجات التي يمكن استنتاجها. ويجب الآن على السياسيين والمجتمع المدني العمل بشكل مشترك.
الكثير من اللافتات التي رُفعت في المظاهرات حملَتْ عبارة "هذا لن يحدث مرة أخرى الآن!" - في إشارة إلى عهد الفاشية النازية في ألمانيا. وعبارة "هذا لن يحدث مرة أخرى" هي عبارة مشهورة في ألمانيا والجميع يعرفون إلى ماذا تشير.
ولكن مع ذلك فقد كان يتم حتى الآن تجاهل الإشارات التحذيرية التي تحذِّر من احتمال عودة نسخة جديدة من تلك الحقبة الأسوأ في تاريخ ألمانيا. وعندما يصل الفاشيون إلى السلطة من خلال انتخابات ديمقراطية يكون الوقت قد تأخَّر من أجل إيقافهم. ولذلك يجب علينا العمل الآن لمنعهم من نشر دعايتهم ومن الوصول إلى السلطة تحت ستار الديمقراطية. "هذا لن يحدث مرة أخرى" الآن!.
شيلا ميسوريكار
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2024
تعمل الصحفية شيلا ميسوريكار رئيسة لشبكة "المنظمات الألمانية الجديدة" التي تضم نحو مائتي منظمة وجمعية لمرحلة ما بعد الهجرة.