إعادة قسرية للاجئين إلى بلدانهم الأصلية
تم إطلاق سراح 1200 طالب لجوء في نهاية الشهر الماضي أغسطس/ آب 2015 من حولوت، وهو مركز احتجاز "مفتوح" في قلب صحراء النقب، والذي بدأ العمل به في ديسمبر من عام 2013. لكن آلاف طالبي اللجوء الآخرين أصبحوا مؤهلين للاستدعاء إلى هذا المركز، وذلك بحسب تصنيف جديد وموسع.
وتأتي هذه الخطوة عقب قرار للمحكمة الإسرائيلية العليا بتحديد سقف أعلى لمدة احتجاز طالبي اللجوء في حولوت لا يتجاوز اثني عشر شهراً. ولكن الآن بات كل لاجئ من دون عائلة في إسرائيل مؤهلاً للاحتجاز. وطبقاً لناشطين، فقد طُلب من المئات التوجه إلى مركز حولوت من أجل جلسة استماعهم. ويُقدر عدد اللاجئين المقيمين حالياً في إسرائيل بـ42 ألف شخص، معظمهم سودانيون وإريتريون. لكن الحكومة الإسرائيلية تسميهم "متسللين"، وفي عام 2013 قامت ببناء سياج على طول الحدود مع مصر بتكلفة بلغت 400 مليون دولار. الهدف الرئيسي لذلك السياج هو منع دخول هؤلاء اللاجئين.
لا مكان للذهاب إليه
وفي يوم إطلاق سراح المحتجزين من حولوت، يتساءل نور توك، وهو لاجئ من دارفور يبلغ من العمر 28 عاماً، حول ما الذي يجب عليه القيام به الآن. فقبل احتجازه لمدة 18 شهراً في حولوت، عاش توك وعمل في إسرائيل لمدة ست سنوات. وأثناء وقوفه أمام مركز الاحتجاز، راقب نور توك مئات من رفاقه وهم يركبون الحافلات إلى أقرب مدينة - بئر السبع، بينما وقف بعض المحتجزين أمام سياج المركز دون أي خطة أو مال أو مكان يقضون فيه ليلتهم.
أما الإقامة المؤقتة التي حصل عليها هؤلاء لمدة شهرين فقط، فهي تمنعهم من ممارسة أي عمل أو الإقامة في مدينتين إسرائيليتين تحديداً، وهما تل أبيب وإيلات. وطالبت مجموعات لدعم حقوق الإنسان وعون اللاجئين الحكومة الإسرائيلية برفع هذا الحظر، معتبرة أنه يقيد بشكل غير قانوني حرية حركة اللاجئين.
حول ذلك يقول نور توك: "لديّ أصدقاء في تل أبيب يمكنهم مساعدتي، ولكن ممنوع عليّ الذهاب هناك. كما أنني مفلس". هذا ويُسمح للمحتجزين في حولوت مغادرة المركز أثناء اليوم، ولكن يتوجب عليهم العودة بحلول الساعة العاشرة مساءً، حيث يتم إحصاؤهم. كما لا يُسمح لهم بممارسة أي عمل.
هذا وتقطن الجاليتان السودانية والإريترية في إسرائيل منذ حوالي عقد تقريباً في الأحياء الجنوبية من مدينة تل أبيب. كما أن بعض أفراد الجاليتين يعملون في قطاع السياحة، لاسيما في مدينة إيلات المطلة على البحر الأحمر.
ويعتبر اللاجئ توك أن "الهدف من وراء حولوت هو كسر إرداة اللاجئين وجعل حياتهم مأساوية، وذلك لدفعهم إلى التوقيع على طلب المغادرة وترك البلد".
صفقات حكومية مع رواندا وأوغندا
وبالفعل، يواجه المحتجزون في حولوت بخيار التوقيع على طلب تسميه الحكومة "عودة اختيارية". ويُمنح من يوقعون هذا الطلب دفعة مالية قدرها 3500 دولار لمرة واحدة. وسياسة الحكومة في ذلك هي إرسالهم إلى دولة ثالثة. وخلال السنوات الماضية، أشارت تقارير إلى أن الحكومة الإسرائيلية وقعت اتفاقيات مع عدد من الدول الأفريقية، مثل رواندا وأوغندا، تتضمن تدريباً على الأسلحة وتدريبات عسكرية في مقابل استقبال اللاجئين المغادرين.
ولكن بحسب إحصائيات نُشرت مؤخراً، فقد أعادت إسرائيل بموجب هذه الخطة 4608 لاجئين إلى السودان، بالإضافة إلى 1059 إلى إريتريا، في مخالفة لمبدأ عدم الإعادة القسرية المتجذر في معاهدات جنيف لعام 1951، والذي يحظر إعادة اللاجئين إلى مناطق تكون حياتهم فيها مهددة بالخطر.
كما تقول منظمات حقوق الإنسان إن مغادرة اللاجئ للدولة المضيفة بسبب حرمانه من الحقوق الأساسية فيها لا يعتبر طوعياً، ووثقت حالات تم ترحيل اللاجئين فيها إلى رواندا وأوغندا، ومن هناك تم ترحيلهم إلى دولهم الأصلية، أو تمت مصادرة وثائق سفرهم عند وصولهم، مما يعني بقاءهم في تلك الدول خارج أي إطار قانون ودون أي حقوق.
هذا وما زال الصراع متأججاً في دارفور، حيث شنت الحكومة السودانية حملتين ضد متمردين هناك في عامي 2014 و2015. وبحسب تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" نُشر في سبتمبر، فإن المدنيين هناك تعرضوا للتعذيب والقتل خارج إطار العدالة والاغتصاب الجماعي. كما تم طرد تجمعات سكنية بأكملها من مناطق سكناها.
مستقبل مرير
ويقول اللاجئ نور توك من دارفور، والذي يبدو عليه التوتر كلما سمع ضجيج محركات المقاتلات العسكرية التي تطير بشكل منتظم فوق مركز حولوت، الواقع داخل منطقة إطلاق نار عسكرية: "لقد تعلمت اللغة العبرية، وأريد دراسة القانون. لكن الحكومة تفعل ما بوسعها لعزلنا عن المجتمع. والآن، بعد 18 شهراً هنا، عليّ البدء من جديد".
وبعد أسبوعين من إطلاق سراحه، تمكن نور توك من إيجاد عمل في أحد المصانع، بعد أن تمكن من الاستقرار في بلدة صناعية لا تبعد كثيراً عن تل أبيب.
من جانبه، يشير إليشيفع مليكوفسكي، مدير دائرة العمال المهاجرين واللاجئين في منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان" في إسرائيل، إلى أنه "سيتم إرسال المزيد من الأشخاص إلى حولوت في الأشهر المقبلة. إنهم يقومون بقطع أولئك الذين وجدوا عملاً أو يدرسون أو يمتلكون تأميناً صحياً عن حيواتهم، وهؤلاء سيخسرون كل شيء. إنها عجلة (مفرغة)".
ويضيف مليكوفسكي: "مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق اللاجئين ترى في إسرائيل دولة متطورة يمكنها المساهمة في عملية اللجوء ورعاية اللاجئين. لكنها (المفوضية) لا تشارك في عملية النظر بطلبات اللجوء، بل تراقب هذه العملية فقط وتعرض إعادة التوطين على من هم في حالة صحية متدهورة للغاية أو أولئك الذين لا يجدون رعاية كافية في إسرائيل، أو لديهم حالات إنسانية أخرى".
إسرائيل تتهرب من المسؤولية
ولكن لحد الآن لم تعترف إسرائيل بأكثر من واحد في المائة من اللاجئين السودانيين والإريتريين. وللمقارنة، فإن نسبة الاعتراف باللاجئين من هذين البلدين تصل إلى 90 و67 في المائة على التوالي. وعادة ما لا يتلقى السودانيون أية إجابة على طلبات لجوئهم. كما تم رفض عدد من طلبات اللاجئين الإريتريين بحجة أن إسرائيل لا تعترف بالانشقاق عن الجيش الإريتري كسبب مقنع.
حول ذلك يقول سايمون، وهو شاب إريتري هادئ في أوسط الثلاثينات من عمره: "في إريتريا، أرادوا أن يزجوا بي في السجن. وفي إسرائيل يريدون نفس الشيء. حتى الآن، لا يوجد أي تغيير في حياتي". الخدمة العسكرية بالنسبة لسايمون في بلده كانت تعني أن يعمل معلماً لعشر سنوات في أكاديمية عسكرية مقابل 25 دولاراً شهرياً. وبحسب القانون هناك، فإن الخدمة العسكرية محددة بثمانية عشر شهراً، لكنها في الواقع قد تمتد إلى أجل غير مسمى.
وكان تحقيق قد أجرته هيئة أممية في يونيو من العام الحالي قد أشار إلى أن العمالة القسرية المتسترة بالخدمة العسكرية لأجل غير مسمى منتشرة على نطاق واسع في إريتريا، بالإضافة إلى سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان "ذات نطاق وحجم يندر رؤيته في مكان آخر حول العالم".
تم استدعاء سايمون إلى مركز حولوت، إلا أنه لم يذهب وبالتالي خسر تصريح العمل الذي كان قد حصل عليه، والذي يجب تمديده ما بين شهرو أربعة شهور. وهو الآن يعمل بصورة غير قانونية وغير منتظمة كمعلم في تل أبيب، ويتطوع أحياناً كمدرس للغة الإنجليزية. يقول سايمون: "ما الذي يمكنني فعله في حولوت؟ هنا يمكنني، على الأقل، مساعدة مجتمعي. حكومتنا تريد أن تبقينا جهلة، إذ لا يوجد لدينا إنترنت في إريتريا. كما تم إغلاق الجامعة عام 2000. التعليم هو أهم شيء. عندما أحضر إلى مكان عملي، أقوم قبلها بعمل جولة حول المبنى. لا يمكن أن تعيش هكذا هارباً طوال عمرك".
إيلينيا غوستولي
ترجمة: ياسر أبو معيلق