كيف تغير مزاج ألمانيا العام تجاه اللاجئين؟
أزمة اللاجئين فاجأت أوروبا في عام 2015 ولم يكن من الممكن مواجهتها دون مساعدة المتطوعين. عندما اتصل به عمدة المدينة، في شهر آب/اغسطس قبل عامين، كان بيرد ليمان يقضي عطلته في جنوب أوروبا، ولم تكن هناك أية إشارات بالنسبة إليه أنه سيواجه خريفاً حافلاً، والذي سيجعله يقوم بإجراء جولة قبل دوامه في المكتب وبعده إلى مركز نوينهوف التعليمي في المدينة (والذي أصبح فيما بعد مركزاً للاجئين). لكن الوضع بالنسبة إليه تغير بعد تلقي هذه المكالمة، حيث كان فرانتس هون، عمدة مدينة زيغبورغ، التي تقع في غرب ألمانيا ويبلغ عدد سكانها 40 ألف نسمة، قد تلقى مكالمة هاتفية هو أيضاً. في ذلك الوقت كان لاجئون جدد يصلون إلى ألمانيا يومياً، وعلى الرغم من تخصيص مراكز الاستقبال المنتظمة في الولايات الاتحادية لهم، إلا أن تلك المراكز أصبحت مليئة بهم ولم تعد تكفي. ولذلك استوجب من البلديات أن تملأ ذلك الفراغ في الأماكن وأن تكون مستعدة لاستيعاب اللاجئين في غضون أيام قليلة.
وهذا ما كان على بلدية زيغبورغ أيضاً أن تفعله. وكانت البلدية قد قامت قبل فترة بإيواء 280 طالب لجوء في شقق مختلفة ومبان سابقة للجيش الألماني، لكن كان عليها أن تؤمن مكاناً لـ 150 طالب لجوء آخر. ولهذا اتصل عمدة المدينة ببرند ليمان، المدير المشترك لقسم الخدمات المركزية وخدمة المواطنين، لتأمين تلك الأماكن.مدينة زيغبورغ تسعى جاهدة لاستقبال اللاجئين يقول ليمان إنه نجح في ذلك لأنه كانت لديه الإرادة، ولأن العديد من المتطوعين كانوا يساعدونه، كما كان الحال في مدن أخرى في ذلك الوقت. وعندما وصلت الحافلات الأولى في ليلة 24 و 25 آب/ أغسطس، تم إيواء القادمين الجدد المنهكين في صالة رياضية مجهزة بشكل سريع، كما كان هناك مترجمون فوريون وأطباء ومتطوعون يجمعون حقائب السفر والملابس، بالإضافة إلى الأشخاص الذين كانوا يحاولون مساعدة اللاجئين بوسائل أخرى. واستقبل العمدة الوافدين الجدد وأغلبهم من سوريا والعراق بقوله "Welcome"، مرحبا بالإنجليزية.
في ظل هذه الظروف، أمكن تأمين أسرّة لـ 110 أشخاص آخرين. ولأنه تم تعيين زيغبورغ كمركز لـ"المساعدة الإدارية" لمراكز الاستقبال الأولية الممتلئة في ولاية شمال الراين ويستفاليا، بالإضافة إلى القدوم المستمر للاجئين، يريدون الإقامة لفترة طويلة، قامت البلدية بتحويل إحدى المدارس إلى مركز لإيواء اللاجئين لاستخدامه لفترة، كما قامت بشراء مبنى فارغ، وقامت بسحب قرض، لتبني المباني الجديدة في ثلاثة مواقع.وكانت تلك ضرورة مُلحّة. اليوم، مركز الاستقبال الأولي في صالة الألعاب الرياضية مغلق منذ فترة طويلة، وليس هناك أي لاجئين جدد يصلون إلى زيغبورغ في الوقت الراهن لأن المدينة قد استقبلت حصتها. وبالرغم من ذلك، لا يزال عدد اللاجئين أعلى بكثير مما كان عليه قبل عام 2015. في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2017 كان هناك 610 لاجئاً. ومن بين 413 لاجئ بين رجال و نساء وأطفال تم الاعتراف بوضعهم كلاجئين، لم يتم استيعاب سوى 250 شخص منهم في شقق وجدوها عن طريق سوق الإسكان الخاص، بينما يقيم البقية في مراكز للإيواء في المدينة. وصول المزيد من اللاجئين إنه يوم بارد وممطر ذلك الذي يتحدث فيه بيرند ليمان عن هذه الأشياء في مبنى البلدية. في نفس اليوم الذي كان فيه الحديث على الراديو عن "الحد الأقصى للاجئين"، ففي برلين تعقد مشاورات لتشكيل تحالف حكومي. ونفس اليوم الذي سمع فيه بيرند ليمان عن قدوم لاجئين جدد بشكل مفاجئ. يقول ليمان: "وبدون سابق إنذار". اللاجئون الجدد يأتون عبر "لم شمل العائلة" إلى زيغبورغ. ليمان يعرف تماماً أنهم سيأتون في وقت ما، لكنه لا يعرف متى. وعليه الآن أن يوفر لهم مسكناً، والذي سيكون مركزاً لإيواء اللاجئين على الأغلب. يقول ليمان بتنهد: "سوق الإسكان المضطربة في زيغبورغ تكاد لا تقدم أي شيء". ويتابع أن الأوقات التي قدمت فيها المدينة شققاً للاجئين "انتهت"، كما انخفضت النشوة السائدة في البداية بشكل ملحوظ.
يقول ليمان: "يجب ألا يُفهم ذلك بشكل خاطئ"، ويضيف أنه مازال يوجد العديد من المتطوعين الذين يساعدون اللاجئين بتعلم اللغة أو بإتمام أوراقهم بالإضافة إلى مساعدتهم بالحصول على مقاعد للتدريب، ويتابع: "مازال الاستعداد للمساعدة كبيراً جداً، ولم ينقلب المزاج العام بشكل سلبي". وبحسب ما يقول فإنه عندما يترك بعض المتطوعين مساعدة اللاجئين بعد عامين من الالتزام، فإن ذلك يتعلق بالإنهاك الشخصي الذي يصاب به. تغير المزاج وبالإضافة إلى ذلك، كما يقول ليمان، فقد تركت أحداث "رأس السنة في كولونيا" آثارها. ففي ليلة رأس السنة لعام 2016، احتفل آلاف الرجال الذين ينحدرون من بلدان عربية ومن شمال إفريقيا برأس السنة في ساحة الكاتدرائية المعروفة، وحدثت اعتداءات جنسية غير مسبوقة على النساء، كما أن محاولة الشرطة عدم ذكر أصول الفاعلين، والتقارير الإعلامية المترددة أثارت ضجة كبيرة. ومنذ ذلك الحين لم تتغير تقارير الشرطة في الصحف فقط، بل تغير الرأي العام حول اللاجئين الذكور أيضاً. وارتفعت الأصوات المعادية للأجانب، كما تقيدت إيماءات الترحيب، وازداد الضغط على السياسة أيضاً. كما أدت أخبار أخرى كتلك التي تحدثت عن اغتصاب شابة ألمانية من قبل لاجئ من غانا، في منطقة زيغاون، حيث كان الجاني حتى وقت اعتقاله يقيم في مركز إيواء مركزي في مدينة سانت أوغستين المجاورة بالإضافة إلى زيادة الهجمات الإرهابية التي قام بها إسلامويون متطرفون في جميع أنحاء أوروباً إلى تغيير المزاج العام، ما أدى إلى تشويه صورة الغالبية العظمى من اللاجئين المسالمين في البلاد، مما جعل اندماجهم أكثر صعوبة.
إحباطات وخيبة أمل وحتى أعضاء مبادرة اللاجئين لومار/ زيغبورغ، الموجودة منذ حروب البلقان يتحدثون عن "كولونيا". وتشرف هذه المبادرة على مركز إيواء يعيش فيه 60 شخص من بينهم 30 رجلاً وحيداً، وهي نشطة في مجالات أخرى أيضاً. وتسلط مديرة المبادرة ،كريستا فيلد، الضوء على الآثار النفسية على الاجئين، وتقول إنهم كانوا يشعرون بوصمة عار، حتى أن اثنين من السوريين بعد ليلة رأس السنة أصدروا مباشرة بياناً يتبرآن فيه من مرتكبي الحادث، ووقع عليه ما يقرب من مائة آخرين والنتيجة، تقول فيلد: "في البداية، كان اللاجئون هنا حريصين جداً على المشاركة في المناسبات الاجتماعية مثل الكرنفال أوعيد القديس مارتن، ولكن منذ (أحداث) كولونيا، انسحب العديد من اللاجئين ونأوا بأنفسهم (عن المجتمع) بشكل واضح". وتشير أيضاً إلى أن العديد من اللاجئين محبطون، فهم يشعرون بخيبة الأمل من البيروقراطية الألمانية التي كادت لا تثبت فعاليتها في ذروة "أزمة اللاجئين"، بالإضافة إلى الفترة الطويلة بين الوصول إلى ألمانيا والبت بطلبات اللجوء. وكان معظمهم قد وصل قبل إغلاق "طريق البلقان" في عام 2016 وقبل اتفاق اللاجئين بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. فمن 610 لاجئين كانوا في زيغبورغ في بداية عام 2017، ما يزال الثلث بانتظار البت بطلب لجوئهم. أسر مشتتة وأولئك الذين طعنوا في قرار اللجوء السلبي وجدوا أنفسهم بسرعة في حلقات انتظار جديدة. وكذلك هو الحال بالنسبة لطالبي اللجوء المعترف بهم الذين يحاولون لم شمل أزواجهم وأطفالهم لجلبهم إلى ألمانيا. ووفقاً لمستشاري اللاجئين لدى منظمة المعونة الاجتماعية الكاثوليكية SKM و Diakoni فإن "العوائل التي تعيش هنا تعتمد على تعاون القنصليات الألمانية في تركيا والأردن ولبنان، لكن القنصليات غارقة بالطلبات، وقد يستغرق وقت الانتظار أشهراً". هذا مزعج، على سبيل المثال، لسوري يعيش مع تسعين لاجئاً آخرين من بلدان مختلفة في مركز إيواء كبير ومفروش بشكل سيء. وبالنسبة لهذا الرجل، الذي مازالت عائلته في مكان ما في الأردن تنتظر، فقد جرت الأمور بشكل أفضل مقارنة بالآخرين، فبعد تسعة أشهر قامت السلطات بإصدار القرار حول طلب لجوئه. لكنه حصل على "الحماية المؤقتة"، والتي لا تعطيه الحق في لم شمل أسرته.
اعترض على القرار، لكنه اضطر للانتظار عدة أشهر حتى حصل على الإذن أخيراً للم شمل أسرته. لكنه لا يزال ينتظر مرة أخرى. يقول بلغته الألمانية المبتدئة: "الأمر صعب"، مشيراً إلى هاتفه المحمول في يده، ويتابع: "أطفالي الصغار بلغوا الثانية من العمر". لكن لا يبدو أن زوجته استطاعت أن تحصل على موعد لدى السفارة حتى الآن.بالنظر إلى وجه الرجل الشاحب ذي الابتسامة المتعبة، يستطيع المرء أن يرى مدى صعوبة حياته في صالة الانتظار. هو ليس الوحيد الذي يجب عليه في الوقت نفسه أن يعالج الذكريات الصادمة، كما ليست لديه مهنة تشغله عن ذلك، بالرغم من أنه يرغب أن يعمل ويُسمح له بذلك، فمازال بحاجة إلى الكفاءة وتعلم اللغة، إذ كان يقوم بأعمال مؤقتة في وطنه.
في صحة جيدة لكن غير قادرين على العمل ويؤدي الحديث عن موضوع العمل إلى الإحباط لأنه لا يمكن مقارنة الحياة المهنية في ألمانيا بها في البلدان الأصلية للاجئين، ما يخالف توقعات العديد من اللاجئين بالإضافة إلى الكثير من الذين يساعدونهم. لكن بيرند ليمان في بلدية زيغبورغ يقول إن هناك قصص نجاح أيضاً. إحدى تلك القصص هي لصيدلاني ومهندسة معمارية، كانا قد جاءا من سوريا عبر طريق البلقان في عام 2015، وتمكنا من معادلة كفاءاتهما هنا. يقول ليمان: "لدينا أيضاً لاجئون يافعون يسعون لإنهاء المدرسة، وستة لاجئين على الأقل، ممن حصلوا على مقاعد للتدريب المهني". وعلى المدى الطويل، يساعد ذلك على الحصول على وظائف أفضل من فرص العمل التي يحصل عليها بعض اللاجئين في مطاعم الوجبات السريعة. يقول ليمان إنه في غالب الأحيان يتعلق الأمر "بوضع الناس في حالة يمكنهم فيها أن يقوموا بالتدريب المهني"، وهذا يشكل تحدياً كما يقول، لأن نظام الدراسة المزدوجة في ألمانيا لا يقتصر على جزء تقني فقط، بل يشمل جزءاً مدرسياً أيضاً، ويتابع: "هذا أيضاً يتطلب وقتاً. وبالنسبة لبعضهم علينا كمجتمع أن نضمن حصولهم على مساعدات من الدولة على الدوام. وهذا ما نراه بشكل أوضح مقارنة بالسنتين الماضيتين". وهو لا يقصد فقط الذين ما يزالون في دورات محو الأمية.
السكن الاجتماعي إحدى التحديات الكبيرة للبلدية والمتطوعين، من الناحية العاطفية أيضاً، هم هؤلاء الذين لم يتم الاعتراف بطلبات لجوئهم، ومنهم 150 تم رفض طلبات لجوئهم، لأنهم ينحدرون من "بلدان آمنة" على سبيل المثال، وتم منحهم إذناً مؤقتاً للبقاء، وفي الحالات غير الواضحة لا يمكن أن يبدو الوضع أفضل. إلى أين تسير أمورهم؟ وكيف يمكن تغطية نفقات المرفوضين والممنوحين إذناً مؤقتاً للبقاء من خلال أموال البلديات لوحدها؟ فقبل البت بطلبات لجوئهم، كان الوضع منظماً بشكل أفضل.يتجنب ليمان الحديث عن مسألة النفقات. لكن ليس سراً أن العديد من البلديات تعاني، حتى من دون الأخذ بعين الاعتبار مسؤولية نفقات اللاجئين. ويقدرعمدة زيغبورغ الذي أكد أنهم "يتكيفون بشكل جيد" مع هذه التكاليف، أن التكاليف الإضافية للحاصلين على إذن مؤقت للبقاء بلغت حوالي 1.5 مليون يورو هذا العام. هذا بالإضافة إلى الخدمات العامة التي يجب أن تقدمها البلدية، مثل تجهيز رياض الأطفال، وأماكن اللعب أو نفقات مشاريع الإسكان الاجتماعي.
والآن أصبح الحديث عن موضوع ساخن، يسمعه المرء في مكان آخر أيضاً في راينلاند. يقول منسق شؤون اللاجئين في مدينة كولونيا هانز-يورغن أوستر: "لدينا حاجة ماسة للسكن الاجتماعي حتى بدون أخذهم (اللاجئين) في الحسبان". ويقيم في كولونيا وحدها 10 آلاف لاجئ. يضيف أوستر: "عندما يتعلق الأمر بهذا الموضوع، علينا أن نلحق بالركب في المناطق المكتظة بالسكان، وإلا سنشهد منافسة اجتماعية سياسية، وهذا ما لانريده"، ويضيف أنه يتابع هذا الموضوع عن كثب. في زيغبورغ ينظر بيرند ليمان من خلال النافذة إلى المطر المنهمر، ويقول: "لدينا أول عملية ترحيل منذ الصيف". البارحة قام بتوديع عائلة من البلقان. يضيف ليمان: "هم يصعدون للحافلة الآن باتجاه وطنهم، في اللحظة التي نتحدث فيها". مستقبل غير واضح
ليس سهلاً بالنسبة إليه أن يتحدث عن ذلك. يتحدث عنهم ويقول: "كان ضمن العائلة أطفال، كانوا يذهبون للمدرسة، وتجذروا هنا. يجب أن يتم اتخاذ قرارات كهذه في وقت مبكر". أحياناً يصف تعامل السلطات الألمانية مع العائلات اللاجئة بـ"غير الإنساني، بغض النظر عن صحة موضوعية الإجراء". لكن من يقرر سياسة اللجوء ليست هي البلديات على أي حال. وبالنسبة للعديد من اللاجئين الذين وصلوا إلى زيغبورغ منذ عامين ويعرفون أنه يسمح لهم بالبقاء، بدأت مرحلة جديدة، وهي مرحلة الاندماج في المجتمع والذي يشمل مجموعة جديدة من التحديات بعد كل المسائل الأولية كإيجاد مسكن، والساعات الأولى لتعلم اللغة الألمانية وتأمين المساعدة عند زيارة الدوائر الحكومية. يعرف ليمان أنه لا تزال هناك العديد من العقبات، ولكنه لا يزال على ثقة من أن اللاجئين سيساعدون مجتمع المدينة لمساعدة أولئك اللاجئين. ماتياس هانيمان - مهاجر نيوز ar.Qantara.de