تحركات إماراتية خلف الكواليس استعدادا لليوم التالي
توسع الإمارات العربية المتحدة نفوذها بهدوء داخل غزة، في وقت تتجه الأنظار إلى العمليات الإسرائيلية في شمال غزة ولبنان. وتلعب أبو ظبي دورًا محوريًا في إمداد القطاع الفلسطيني بالمياه والمساعدات الإنسانية. ففي أواخر آب/أغسطس، وقّعت مذكرة تفاهم مع بلدية غزة، مما يمهد الطريق أمام الإمارات لإصلاح وصيانة إمدادات المياه في معظم أنحاء شمال غزة، مما يضمن وصول مياه الشرب للفلسطينيين الذين أنهكتهم الحرب.
وقال يحيى السراج، رئيس بلدية غزة، في مقطع فيديو بعد حفل التوقيع: "نحن كبلدية لا نستطيع توفير المياه لجميع السكان أو المناطق في المدينة، لذا فإن هذا التمويل سيساعدنا على ضمان ذلك بشكل أسهل"، مضيفا: "نأمل أن يكون هناك المزيد من المشاريع الجديدة".
يأتي المشروع في إطار عملية "الفارس الشهم 3" الإنسانية لدعم غزة التي أطلقتها الإمارات في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي. تلك هي مذكرة التفاهم الثانية التي تبرمها الإمارات في غزة في أقل من شهرين، إذ وقعت اتفاقا بقيمة 54,000 دولار أمريكي في يوليو/تموز لإصلاح آبار وخزانات المياه في مدينة خان يونس جنوب القطاع.
وقال محمد خلفان الصواف، الكاتب والباحث السياسي الإماراتي، إن "الاتفاق مع بلدية غزة وعمليات الفارس الشهم تأتي في إطار الخطوات الإيجابية لدولة الإمارات لبناء مقاربة عملية لإنهاء الحرب في غزة ومساعدة الفلسطينيين".
في الوقت نفسه، شجعت مصر الدور المتنامي للإمارات في غزة بالسماح لها ببناء مستشفى عائم ومستودع عملاق للمساعدات الإنسانية في مدينة العريش، حيث تستقبل مصر المساعدات الدولية المتجهة إلى غزة. كما أنشأت الإمارات أيضا ست محطات لتحلية مياه البحر على الجانب المصري من معبر رفح؛ لتزويد أكثر من 600 ألف شخص في جنوب غزة بمياه الشرب.
وقبل إغلاق معبر رفح الحدودي في مايو/أيار الماضي، كان متطوعو الهلال الأحمر الإماراتي يتنقلون بحرية بين سيناء وغزة لتشغيل المستشفى الميداني الإماراتي وبناء مراكز إيواء للنازحين في القطاع. كما تبرعت أبوظبي أيضاً بمبلغ 5 ملايين دولار أمريكي لدعم حملة التطعيم الطارئة ضد شلل الأطفال في غزة.
خطة هدنة من دون استراتيجية لخروج إسرائيل من غزة
أسئلة مهمة تتجاهلها خطة الرئيس الأمريكي جو بايدن الهادفة لإنهاء الحرب في غزة، إذ طالما لم يتضح بعدُ مَن المسيطر في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب فلا يوجد حل دائم، كما يكتب كريم الجوهري في تحليله التالي لموقع قنطرة.
تنامي العلاقات مع إسرائيل
"قبل الحرب، كانت قطر هي اللاعب الخليجي الرئيسي في غزة. أما الآن، قد ترحب إسرائيل بدور إماراتي متزايد، وربما حتى سعودي بدلا من الدوحة"، يقول نمرود غورين، زميل أول في قسم الشؤون الإسرائيلية بمعهد الشرق الأوسط لـ قنطرة. وأضاف أن إسرائيل أعطت الإمارات الضوء الأخضر لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة؛ من أجل فتح الباب أمام التواجد الإماراتي الحالي والمستقبلي في القطاع.
في السنوات القليلة الماضية، تحسنت العلاقات بين الإمارات وإسرائيل بشكل ملحوظ، الأمر الذي مهد الطريق أمام زيادة الوجود الإماراتي في غزة اليوم. وكانت الإمارات قد وقعت اتفاقية تطبيع العلاقات مع إسرائيل في سبتمبر/أيلول 2020 كجزء من اتفاقية أبراهام التي وقعتها إلى جانب البحرين. ومنذ ذلك الحين، نمت العلاقات بين أبوظبي وتل أبيب بسرعة.
وقال رخا أحمد حسن، نائب وزير الخارجية المصري السابق وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، لـ قنطرة، إن أبو ظبي تحاول موازنة مواقفها السياسية بإظهار الدعم وتقديم الإغاثة للفلسطينيين، في الوقت الذي تحظى فيه بعلاقة وثيقة بإسرائيل.
وأوضح أن أبوظبي سهّلت إنشاء طريق بري بديل من الخليج العربي عبر السعودية والأردن لنقل البضائع إلى تل أبيب. وكانت السفن المُحملة بالبضائع تصل عادةً إلى إسرائيل عبر خليج عدن والبحر الأحمر، قبل أن تتوقف بسبب هجمات الحوثيين.
في المقابل، حظيت الإمارات بامتيازات خاصة منذ انقطاع الحركة من وإلى قطاع غزة بشكل شبه كامل منذ إغلاق معبر رفح في مايو/أيار الماضي. وفي 11 سبتمبر/أيلول، سمحت إسرائيل للإمارات بنقل 97 مصابا مع 155 من أفراد أسرهم من غزة عبر مطار رامون للعلاج في أبو ظبي.
دور دحلان في غزة
يرتبط نفوذ الإمارات في غزة ارتباطًا وثيقًا بالسياسي الفتحاوي البارز محمد دحلان، والذي يعمل مستشارا لرئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان. ولد دحلان في خان يونس بغزة عام 1961، وشغل منصب رئيس جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية في غزة حتى استيلاء حماس على السلطة في عام 2007. ثم طُرد من غزة واستقر في الضفة الغربية قبل أن يصطدم مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
في عام 2011، اتهمت السلطة الفلسطينية، دحلان بالفساد والتآمر لتقويض سلطة عباس. ومنذ ذلك الحين، يعيش دحلان في المنفى في الإمارات، إذ يقود التيار الديمقراطي الإصلاحي، وهو فصيل سياسي فلسطيني منشق عن حركة فتح.
رغم نفيه خارج غزة، حافظ دحلان على علاقاته الوثيقة بالعشائر القوية في القطاع، وأعاد لاحقًا إقامة علاقات إيجابية مع زعيم حماس يحيى السنوار الذي قُتل في وقت سابق من هذا الشهر بمعارك في غزة. ونتيجة لذلك، سمحت حماس لزوجة دحلان بزيارة غزة في عامي 2013 و2015، عندما ساعدت في تنظيم حفل زفاف جماعي ممول من الإمارات لـ 400 رجل وامرأة من غزة.
إخفاق تاريخي
لقد عزلت ألمانيا نفسها في جميع أنحاء العالم بموقفها تجاه إسرائيل. سيصبح التحالف الحاكم الحالي شيئًا من الماضي قريبًا، لكن ألمانيا قد تعاني من عواقب إخفاقات سياستها الخارجية لفترة طويلة قادمة.
"على الرغم من أن محمد دحلان كان من أشد معارضي حركة حماس، إلا أنه فتح حواراً مع حكومة حماس الجديدة بقيادة يحيى السنوار في عام 2016 في إطار جهود كسر جمود المصالحة الفلسطينية"، يقول أيمن الرقب، القيادي في التيار الديمقراطي الإصلاحي لـ قنطرة.
وعلى إثر حوار المصالحة مع حماس، سُمح لتيار دحلان بتأسيس جمعية "تكافل" لتقديم المساعدات المالية الإماراتية لأهالي غزة. كما دفعت "تكافل" دية (تعويضات) ضحايا حرب 2007 للمساعدة في التسوية بين حماس وفتح في القطاع، وساعدت لاحقا في إعادة إعمار المنازل المتضررة بعد الاشتباكات بين حماس وإسرائيل في عامي 2018 و2021.
في عام 2023، توسعت عمليات "تكافل"، وتحولت المبادرة إلى اللجنة الوطنية الفلسطينية للشراكة والتنمية التي يقودها أعضاء من ثمانية فصائل فلسطينية في غزة بما فيها حماس. الآن، توقع اللجنة الوطنية الفلسطينية للشراكة والتنمية اتفاقيات إعادة الإعمار مع البلديات في غزة نيابة عن الإمارات، وتقود عمليات المساعدات التي تقدمها الدولة الخليجية في القطاع.
يقول رامز العمصي، من مدينة غزة والنازح إلى خان يونس، إن شعبية دحلان ارتفعت بين السكان منذ بدء الحرب. "إنه أفضل من يقدم لنا المساعدات، وخلال الحرب ازداد دعمه لنا"، قال رامز العمصي من مدينة غزة والنازح اليوم في خان يونس لـ قنطرة، عبر الواتساب.
دحلان كحلقة وصل بين الإمارات وحماس
منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تطورت علاقة دحلان وحماس، "لأول مرة شهدنا لقاءً بين حماس وتيار الإصلاحي الديمقراطي في الدوحة. وهذا كسر العديد من الحواجز"، يقول الرقب.
وزاد: "نحن [التيار الديمقراطي الإصلاحي] نرفض لعب دور أمني في غزة، لكننا مستعدون لأن نكون جزءًا من الترتيبات السياسية الفلسطينية لإعادة إعمار القطاع والوصول إلى دولة فلسطينية. وللقيام بذلك، نحن بحاجة إلى علاقات مع دحلان". بعبارة أخرى، هم بحاجة إلى الإمارات.
وتسعى الإمارات، المستفيدة هي الأخرى من علاقات دحلان، إلى سد الفجوات وإيجاد رؤية سياسية مشتركة بين حماس والتيار الديمقراطي الإصلاحي، لتمهيد الطريق أمام إدارة مشتركة محتملة يمكن أن تدير غزة بعد الحرب، كما تقول الباحثة السياسية الفلسطينية تمارا حداد لـ قنطرة.
وفي الوقت نفسه، تواجه حماس معضلة الحفاظ على بقاءها السياسي وعدم إقصائها من إدارة ما بعد الحرب، لهذا قررت التعاون مع الإمارات وقبلت الدعم المالي لإعادة إعمار القطاع، بحسب حداد.
دور إماراتي بعد الحرب
مع اتخاذ الإمارات خطوات عملية لتأمين موطئ قدم لها في غزة، تنظر إسرائيل والولايات المتحدة بشكل متزايد إلى الإمارات كشريك محتمل في إدارة ما بعد الحرب التي ستحل محل حماس.
في يوليو/تموز الماضي، قالت لانا نسيبة، سفيرة دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة، لصحيفة فاينانشيال تايمز، إن أبو ظبي ناقشت مع الولايات المتحدة خططاً لملء فراغ السلطة في غزة بعد الحرب. وقالت للصحيفة البريطانية: "يجب أن تكون الخطة [لغزة] هي ما نعتقد أنه مطلوب: مكون إنساني لمساعدة الشعب الفلسطيني في غزة على التعافي من الدمار الرهيب، ومكون أمني، ومكون سياسي يمكن أن يسهل التوصل إلى حل مستدام للصراع".
غورين من معهد الشرق الأوسط يبدي شكوكه بهذه الخطة، ويقترح أن تشمل المحادثات بين إسرائيل والإمارات والولايات المتحدة حول مستقبل غزة السلطة الفلسطينية: وقال: "يمكن لخطة حكم ما بعد الحرب في غزة أن تكون أكثر نجاعة إذا كانت موجهة نحو عودة السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها إلى الحكم هناك، بدعم من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، مع تحديد مسار نحو حل الدولتين وتنفيذه".
وأفادت تقارير صحفية بأن إسرائيل دعمت قوة متعددة الجنسيات بقيادة الإمارات لحكم غزة بعد الحرب، إلى جانب ممثلين عن 15 قبيلة بارزة في غزة، وعن دول أخرى في الشرق الأوسط. كما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في يوليو/تموز، أن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين يدرسون خططًا لتمكين دحلان الذي يرون فيه قائدًا محتملًا لقوة أمنية مؤقتة في غزة.
وترفض قبائل وعشائر غزة التي ينظر إليها كلاعب هام في التخطيط الإسرائيلي لما بعد الحرب حتى الآن التعاون مع الإسرائيليين. وقال عاكف المصري، المفوض العام للهيئة العليا للعشائر والقبائل الفلسطينية في غزة: "موقفنا واضح: اليوم التالي للحرب يجب أن يكون شأناً فلسطينياً، ولا نقبل أي تدخل خارجي".
من الأقوال إلى الأفعال
على الرغم من أن كل الأنظار متجهة نحو الولايات المتحدة الأمريكية، فلا ينبغي إهمال جهود الوساطة الإقليمية: إذ إنّ التعاون الوثيق جدا بين دول أوروبية وعربية يمكن أن يقوم بدعم عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية.
"يجب وقف إطلاق النار أولا"
وفي تطور ملفت، أفادت تقارير صحفية منتصف هذا الشهر، أن وزير الخارجية الأمريكي بلينكن يدرس خطة لما بعد الحرب على غزة تستند إلى أفكار وضعتها إسرائيل والإمارات، من المرجح أن تُطرح بعد الانتخابات الرئاسية. وأجرى بلينكن، الأسبوع الماضي، جولته الحادية عشرة إلى المنطقة، حيث كانت إسرائيل محطته الأولى، لمناقشة وقف إطلاق النار وخطة "اليوم التالي".
يقول الدبلوماسي المصري السابق، رخا أحمد حسن، إن أي خطة لما بعد الحرب هي "هروب إلى الأمام" دون حل المسألة الملحة وهي وقف القتال والدمار في قطاع غزة. إذ لم تسفر أشهر من المفاوضات المكثفة بين إسرائيل وحماس عن اتفاق لوقف إطلاق النار حتى الآن. ومع ذلك، يواصل عمال الإغاثة الإماراتيين تمهيد الأرض بين سكان القطاع، استعدادا لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب.
قنطرة 2024