عاطف أبو سيف: علينا جعل سياستنا شفافة وقريبة من المواطن الفلسطيني
عاطف أبو سيف كاتب وروائي وسياسي فلسطيني، ولد عام 1973 ونشأ في مخيم جباليا في غزة. هناك كان منزله وهناك قضى حياته. عمل معيدًا لمادة العلوم السياسية في جامعة الأزهر بمدينة غزة، وكتب كتبًا (من بينها روايته "حياة معلقة" المترجمة حديثًا إلى الألمانية تحت عنوان "فطور مع طائرة من دون طيَّار"، وهي يوميات من حرب غزة عام 2014)، وكذلك أعمدة ككاتب ضيف في صحيفتي جارديان ونيويورك تايمز.
حتى تعرُّضه لاعتداء وحشي في الثامن عشر من آذار/مارس 2019، عندما اعتدت مجموعة من المسلحين الملثَّمين بالضرب المبرح عليه -على رجل فتح- إلى أن شارف على الموت، وكسروا أصابع يده اليمنى كعقاب محدَّد لكلِّ مَنْ يجرؤ على انتقاد نظام حماس. في نيسان/إبريل 2019، تم تعيين عاطف أبو سيف من قِبَل الرئيس محمود عباس وزيرًا للثقافة في الحكومة الفلسطينية الجديدة.
***
كيف أصبحت يدك اليمنى الآن؟
عاطف أبو سيف (يُحرِّك أصابعه ويقول): عادت بخير.
ما الذي حدث بالضبط في ذلك اليوم، الثامن عشر من آذار/مارس؟ ومَنْ كان وراء هذا الاعتداء؟
عاطف أبو سيف: أنا لا أحبُّ التفكير في ذلك، هذا الحادث بالنسبة لي شيءٌ من الماضي. وعلى العموم يمكن القول إنَّ الأشخاص الذين هاجموني كان عددهم نحو خمسة وعشرين شخصًا. كنت قد زرت للتو صديقًا سألهم: "مَنْ أنتم؟"، وأجابوا: "حماس".
هل حدث ذلك خلال أيَّام الاحتجاجات في غزة، عندما خرج الفلسطينيون الناقدون لحركة حماس إلى الشوارع تحت شعار "بدنا نعيش"؟
عاطف أبو سيف: نعم، لقد أجريتُ في تلك الفترة أربع أو خمس مقابلات في وسائل إعلام عربية. ليس بصفتي عضوًا في فتح، بل كمواطن كان يريد الإعلان عن أنَّ هذه مظاهرات مشروعة يخرج فيها شابَّات وشبَّان يريدون حياة أفضل. لقد دافعت عن مطالبهم وقلت إنَّ هؤلاء المتظاهرين يستحقُّون دعمنا. لم يبادر أيّ شخص في غزة بالكلام من أجلهم، أنا كنتُ الشخص الوحيد. كان معظم المتظاهرين من طلَّابي. لقد رأيتهم عندما تم إطلاق سراحهم بعد بضعة أيَّام من الاعتقال والاستجوابات المصحوبة بالتعذيب والإذلال.
هل ضربتهم الشرطة؟
عاطف أبو سيف: ليس هذا فقط، بل تم تعليقهم من أقدامهم مثل المواشي. وأنا قلت حول ذلك علانية إنَّ مثل هذه المعاملة غير إنسانية.
هل يمكنك تصوُّر العودة إلى غزة طالما أنَّ حماس تحكم هناك؟
عاطف أبو سيف: اسمعيني، نحن -الفلسطينيين- لا يوجد لدينا مكانٌ آخر غير فلسطين. أنا لا أستطيع أن أتصوَّر الحياة في أوروبا. لقد احتجزتني حماس قبل هذا الحادث الأخير خمسين مرة. وكلما كان يحدث شيء ما، كانوا يطلبونني ويحتجزونني يومًا أو يومين.
هل يعني هذا حياةً في خوف دائم؟
عاطف أبو سيف: بالتأكيد. حركة حماس هي حارس في سجن كبير اسمه غزة. هذه هي الحقيقة غير المعلنة. يوجد حصار إسرائيلي وحصار من قِبَل حماس، وكلٌ منهما يُكمِّل الآخر من أجل السيطرة على الأهالي في غزة. ولكنني لن أتركهم يقرِّرون إن كان بإمكاني العيش في بلدي أم لا. وحتى لو قتلوني.
من أين لك هذه الشجاعة؟
عاطف أبو سيف: تتمنى حماس لو ترانا نحن المثقَّفين العلمانيين الليبراليين نختفي جميعنا من غزة. إذا كان المرء يؤمن بفكرة ما، فيجب عليه أن يكافح من أجلها.
وما هي فكرتك؟
عاطف أبو سيف: لقد اضطرت جدَّتي في عام 1948 إلى مغادرة يافا، حيث كانت تعيش حياة غنية. ووصلتْ إلى مخيَّم جباليا للاجئين. وهرب زوجها، جدّي، إلى الأردن أثناء الحرب في عام 1967. أمَّا هي فرفضت الذهاب معه. وطبعت لاحقًا في ذاكرتنا نحن الأطفال أنَّ النكبة (تشريد الفلسطينيين في عام 1948) كانت خطأً لا يمكننا اقترافه مرة أخرى. قد تكون غزة هي المكان الأسوأ والأوسخ والأكثر اكتظاظًا بالسكَّان في العالم. مكان يحكمه الأصوليون. لكنه مكانٌ أجدُ فيه نفسي في بيتي.
أَلا تزال زوجتك وأطفالك هناك؟
عاطف أبو سيف: نعم، وبعد رمضان سوف أحضرهم إلى رام الله. ولكنني سأستمر في زيارة غزة.
كيف ترى دورك كوزير في حكومة السلطة الجديدة التي تهيمن عليها حركة فتح برئاسة رئيس الوزراء محمد اشتية؟
عاطف أبو سيف: أنا واحد من ثلاثة أعضاء في الحكومة تقل أعمارنا عن الخمسين، ولذلك فأنا ممثِّل للجيل الأصغر سنًا. تم تشكيل الحكومة الجديدة في وضع معقَّد، بعد انهيار الاتِّفاق على الوحدة الوطنية مع حماس وبعد العقوبات المفروضة على السلطة الفلسطينية من قِبَل الولايات المتَّحدة الأمريكية وإسرائيل. نحن نحتاج الآن أيضًا بالنظر إلى صفقة ترامب المعلنة إلى حكومة سياسية بدلًا من حكومة التكنوقراط.
لا شيء أضعف الفلسطينيين إلى هذا الحدّ مثل الانقسامات السياسية، فهنا فتح في الضفة الغربية، وهناك حماس في غزة. أليس العمل الموحَّد ضروريًا الآن بالذات؟
عاطف أبو سيف: الانفصال مناسب لحماس لكي تبقى في السلطة التي استولت عليها بالقوة في عام 2006. أنا لا أقول إنَّ فتح غير مذنبة في ذلك. ولكن بعد أن فشل الإسلاميون في مصر وليبيا وتونس، باتت غزة هي المنطقة الوحيدة المتبقّية للإخوان المسلمين. وهذا يعتبر بالنسبة لفرعهم - حركة حماس - أكثر أهمية من الحلم الوطني.
أليس الرئيس محمود عباس مشاركًا في المسؤولية عن الأوضاع البائسة في غزة - لأنَّ خفضه المساعدات المالية لغزة قد أضرّ في النهاية بالمواطنين أكثر من حماس؟
عاطف أبو سيف: بدأنا في شهر كانون الأوَّل/ديسمبر (2018) في الحدِّ من هذه التدابير. ولكن بعد ذلك احتجزت إسرائيل بعض أموال الضرائب المستحقة لنا، وقد قاومنا ذلك برفضنا قبول المبلغ الباقي. وبصرف النظر عن ذلك، عندما تسيطر حماس على غزة فيجب عليها أيضًا أن تتحمَّل مسؤولية الحكومة.
لا يمكن أن نتولى نحن تعبيد الشوارع والطرقات أو بناء مستشفى ومن ثم يأتي إسماعيل هنية بصفته أعلى ممثِّل لحركة حماس ليفتتح المشاريع رسميًا. نحن لا نتخلى عن غزة، فهؤلاء شعبنا. غير أنَّنا لا نريد تمويل نظام حماس في غزة.
تنوي الإدارة الأمريكية في شهر حزيران/يونيو 2019 أن تعرض خطتها للسلام، أي الصفقة الخاصة بدونالد ترامب والمعروفة باسم صفقة القرن. وبحسب كل ما يمكن سماعه، فإنَّ هذه الصفقة لا تَرِدُ فيها دولة فلسطينية. كيف سيكون ردّ قيادة السلطة الفلسطينية على هذه الصفقة؟
عاطف أبو سيف: القرار يتَّخذه عباس. ولكن ترامب لن يغيِّر أيضًا أي شيء في مبدأنا الأساسي: نحن -الفلسطينيين- لن نختفي من هذه الأرض. في النهاية يجب على الإسرائيليين أن يقرِّروا إن كانوا يريدون عقد اتِّفاقية سلام معنا، وإلَّا فليس لهم مستقبل هنا على المدى الطويل.
انظري، لقد عاشت عائلتي في يافا لأكثر من ألف عام. وأنا أعرف جميع جدودي وأسلافي بأسمائهم. أنا مستعد لأن أقبل بأن تكون يافا جزءًا من إسرائيل طالما ظلت غزة والضفة الغربية لنا. ولكن حكومة نتنياهو ترفض ذلك. فماذا تتوقَّعين مني؟ أن أتنازل عن أكثر من ذلك؟ لقد تنازلنا عن نحو ثمانين في المائة من وطننا القديم. والآن يجب علينا أيضًا أن نتقاسم النسبة المئوية المتبقية؟ لا! فهذا غير منطقي.
لم يعد منذ فترة طويلة الكثيرون من الشباب يؤمنون بحلم آبائهم في الحصول على دولتهم الخاصة، بل باتوا يريدون حياة طبيعية. فما الذي يجب على حكومتك تقديمه لجيل الشباب؟
عاطف أبو سيف: ليست لديّ إجابة سهلة على ذلك. عندما يستسلم الجيل الشاب، فعندئذ تضيع قضيَّتنا. يجب علينا خلق أمل جديد. ولكننا نعيش تحت الاحتلال. لذلك فإنَّ تَمَكُّنَنَا من خلق فرص عمل يتوقَّف على إسرائيل. يوجد على الأقل شيء واحد يمكننا فعله، وهو: احترام حرِّية التعبير عن الرأي وجعل سياستنا قريبة من المواطن وشفَّافة. لقد تعهَّد رئيس الوزراء محمد اشتية بذلك. لا يجوز اعتقال أيّ فلسطيني بسبب آرائه الناقدة. وأنا أؤيِّد ذلك أيضًا.
حاورته: إنغه غونتر
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2019