"كاتب مصري لا كاتب قبطي"...وعلامة فارقة في الرواية العربية
حظي الكاتب المصري الراحل ادوار الخراط بعد وفاته باهتمام إعلامي عربي كبير، إذ أشادت نخبة من الأدباء والنقادة بمكانته الأدبية ومنجزه الإبداعي، وتبارت أقلام كثيرة في رثاء صاحب المفاهيم النقدية الشهيرة مثل: "الحساسية الجديدة" و"القصة القصيدة" و"الكتابة عبر النوعية".
غير أن الكاتب الراحل لم يحظ خلال سنوات مرضه الأخيرة بنفس الاهتمام الإعلامي أو التكريم لتجربته الإبداعية، كما يرى كثير من المقربين له. فبعد إصابته بمرض الزهايمر وانسحابه الاضطراري من الساحة الثقافية المصرية والعربية، لم يعد إلا قليل من المثقفين والمقربين يتذكرون ادوار الخراط والذي عُرف أيضا باحتضانه للكثير من المواهب الأدبية الشابة، وتشجيعها لا فقط بالتوجيه ككاتب كبير مع تلاميذه، وإنما بالكتابة عنها وتقديمها للقارئ العربي. قليل أيضا من هؤلاء المثقفين حضر القداس على روحه، إذ كتب الصحفي ورئيس تحرير جريدة القاهرة الثقافية سيد محمود على صفحته على الفايسبوك: "كتاب الثمانينيّات الذين قدمهم ادوار الخراط بحماس غابوا عن القداس على روحه باستثناء غادة الحلواني وأحمد زغلول الشيطي".
منجز أدبي يتحدى النسيان
ورغم النسيان الذي طال الخراط في السنوات الأخيرة إلا أنه لا يختلف اثنان على دوره المهم في إثراء الخطاب النقدي العربي . كما يعتبره الجميع واحدا من رواد الكتابة الحداثية في الأربعينات إلى جانب الكاتب الراحل بدر الديب. هذا دون أن ننسى عمله الإبداعي الموسوعي ونهمه للكتابة والقراءة والذي تتجلى أول مظاهره في مكتبه في شقته المطلة على النيل بحي الزمالك في القاهرة، حيث كان الخراط بالكاد يجد مكانا للجلوس وسط الكتب والأوراق، التي لم تترك مكانا أو مساحة دون أن تحتلها داخل وخارج الرفوف وعلى الأرض.
ورغم أنه كان يقترب من التسعين إلا أنه دائم القول :"أحس كل يوم أنني لم أفعل شيئا، وكأنما أريد أن أبدأ من جديد" ولعل هذا الإحساس هو ما قد يفسر تجاوز أعماله للمائة ما بين قصص وروايات وشعر ودراسات وكتب ومسرحيات مترجمة. ما يميز تلك الأعمال لا يسعه مقال واحد، لكن يمكن الإشارة إلى بعض تلك المميزات التي تتجلى في حضور أساسي للإسكندرية، المدينة التي رأى فيها النور سنة 1926 و ترعرع فيها، وكذا حضور العنصر القبطي الذي ينتمي إلى فضائه الديني والروحي والثقافي والاجتماعي، مما يميز خطابه وتكوينه وجرأة مغامرته الأدبية.
"كاتب مصري لا كاتب قبطي"
"كانت البداية الفعلية فيما يخيل إليّ مع بداية الوعي نفسه، مع بداية معرفة القراءة والكتابة. أذكر أنني ربما عندما كنت في العاشرة كتبت ما يشبه القصة القصيرة، وما يشبه القصيدة الشعرية" هكذا يتحدث ادوار الخراط في حوار له سنة 2007 عن بدايته مع الكتابة الأدبية مع صحيفة الاتحاد الاشتراكي المغربية، إذن كانت لصاحب ثلاثية "رامة و التنين " و "الزمن الآخر" و" يقين العطش " - كما يقول -نزعة تسعى إلى المعرفة وإلى التعبير عنها، منذ بداياته المبكرة.
تنوعت منابع ثقافة ادوار الخراط والتي أثرت في منجزه الإبداعي، ويقول الخراط عن تلك المنابع:" التراث العربي بالتأكيد له أهمية كبرى، ثم يأتي بعد ذلك مثلا الرواية الروسية الكبرى، ويصاحب هذا زمنيا أيضا الشعر الإنجليزي، أنا كنت ومازلت مفتونا بأشعار الرومانسيين"
غير أنه لا يمكن إغفال تأثير الجانب القبطي في أعمال ادوار الخراط بالرغم من أنه كان يرفض أن يصفه أحد بالكاتب القبطي ويصر دائما على مصريته كما سبق وأن قال في حوار مع دويتشه فيله سنة 2010: "ما زلت أعتقد أن مصر بلد التسامح، بلد التعايش بين مختلف المعتقدات والطوائف والأفكار. ما زلت على قدر من التفاؤل في هذا المجال."
"دفاع ضد أهوال الحياة و الموت" تلك إحدى الرؤى الأساسية للأدب من وجهة نظر ادوار الخراط، لكن يبدو أن أدب ادوار الخراط كان أيضا دفاعا ضد النسيان.
حقوق النشر: دويتشه فيله 2015