طفل سوري لاجئ في ألمانيا محروم من لم شمله بأمه
جدران غرفته مصبوغة بلون أصفر داكن، يغطيها مُلصقان لمنظر طبيعي صحراوي جميل. وعلى رَفٍ صغير فوق السرير ثمة مكان لدمية البطريق المحبوب، بجانبه علبة كريم نيفيا ونسخة عن القانون الأساسي (الدستور) الألماني. ومن مكان نومه يُطلُّ اللاجئ فردوس مباشرة على قمة برج كنيسة قرية صغيرة في ولاية هيسن بالقرب من مدينة ليمبورغ.
منذ نحو عام أصبحت هذه الغرفة ذات الثلاثة أسرة في مخيم للاجئين وطنه الجديد. في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2015 هرب فردوس - الذي كان عمره حينها ستة عشرة عامًا - من سوريا إلى ألمانيا مع شقيقيه الأكبر منه سنًا. أمَّا والدته فهي لا تزال تعيش في سوريا، وكذلك والده، غير أنَّهما انفصلا في هذه الأثناء. كما أنَّ شقيقة فردوس وزوجها مفقودان منذ عدة أشهر.
وبالنسبة لهذا السوري القاصر وإخوته تشكِّل هذه الأيَّام مرحلة مهمة للغاية: ففي هذا الشهر سيبلغ فردوس عامة الثامن عشر، وحتى ذلك الحين يجب أن تكون والدته قد وصلت إلى ألمانيا، لكي تتمكَّن أسرته من البقاء معًا بطريقة قانونية في ألمانيا. وحول ذلك يقول فردوس البالغ من العمرة سبعة عشر عامًا وهو يصارع دموعه: "بالنسبة لي أمي أهم شخص في حياتي. ومن دونها لا يمكنني فعل أي شيء. وأخشى من أنَّني لن أراها أبدًا مرة أخرى".
تضاؤل فرص لَمّ شمل اللاجئين بأسرهم
بحسب القانون الأساسي (الدستور) الألماني واتِّفاقية جنيف للاجئين لعام 1951، فإنَّ اللاجئين المُعترف بلجوئهم رسميًا في ألمانيا يتمتَّعون بحقِّ جلب أفراد أسرهم الأساسية. وتشمل الأسرة الأساسية الزوجين والأطفال البيولوجيين، ولكنها لا تشمل الوالدين. وكذلك يتمتَّع الأطفال القصَّر بحقِّ لَمّ شمل الأسرة. وعلى أية حال هكذا كان نصُّ التعليمات القانونية حتى وقت قريب.
ولكن مع اعتماد الحزمة الثانية من قانون اللجوء في ربيع عام 2016، تم فرض قيود شديدة على حقِّ اللاجئين في لَمّ شملهم مع أسرهم. ومنذ ذلك الحين يسري ما يلي: معاملات لَمّ شمل اللاجئين بأسرهم تبقى معلقة لمدة عامين بالنسبة لجميع اللاجئين الحاصلين على صفة الحماية المحدودة، أي المؤقَّتة. وهذا ينطبق أيضًا على الأطفال القُصَّر ولَمّ شمل أولياء أمورهم.
وهذا التعليق يمثِّل انتهاكًا واضحًا لاتِّفاقية الأمم المتَّحدة لحقوق الطفل، مثلما يقول كريم الواسطي من المنظمة الحقوقية "برو أزول". وفي الوقت نفسه أعلن الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني إثر الانتهاء من المفاوضات على الحزمة الثانية من قانون اللجوء في مطلع عام 2016 أنَّ هذا انتصار لِـ "الإنسانية". وكان المقصود بذلك ما يعرف باسم التدابير الخاصة لذوي الحالات الصعبة.
وبموجب هذه التدابير بإمكان اللاجئين القُصَّر الحاصلين فقط على صفة اللاجئ المحدودة أن يجلبوا والديهم على الفور بعد التحقُّق من وجود حالة صعبة. ولكن وفقًا لتحقيقات حديثة أجراها الأستوديو الرئيسي للقناة الألمانية الأولى فإنَّ هذه التدابير لم يتم تنفيذها قطّ.
التدابير الخاصة لذوي الحالات الصعبة غير مجدية
وفردوس الذي لم يحصل بعد على قرار الاعتراف بوضعه كلاجئ، يأمل في الحصول وبمساعدة من محامٍ على الاعتراف الكامل بوضعه كلاجئ، والذي يمكِّنه من جلب والدته إلى ألمانيا - على الأقل من الناحية القانونية. غير أنَّ هذا الأمر غير مؤكَّد: فمنذ الحزمة الثانية من قانون اللجوء بات المكتب الاتِّحادي للهجرة واللاجئين BAMF يُقرِّر -في حالة السوريين وبشكل متزايد- الحماية المؤقَّتة فقط. ولكن بالتالي فلن تكون لدى فردوس إلاَّ فرصة لَمّ شمله بوالدته من خلال التدابير الخاصة لذوي الحالات الصعبة - وهذا إجراء شبه مستحيل تقريبًا.
يزداد باستمرار عدد الناشئين الذين يعيشون من دون والدَيْهم في هذا البلد الغريب بالنسبة لهم. وبحسب معلومات منظمة مساعدة اللاجئين "برو أزول" فقد ارتفعت نسبة قرارات منح اللاجئين السوريين حقّ الحماية المحدودة من أقل من عشرين في المائة فقط في ربيع 2016 إلى أكثر من سبعين في المائة في شهر آب/أغسطس من العام نفسه. "وهذا له عواقب وخيمة بالنسبة للشباب الناشئ: فحياتهم اليومية يُهيمن عليها القلق والخوف على ذويهم وأسرهم. وبالتالي فهم لا يستطيعون التركيز على متطلبات المدرسة"، مثلما يقول كريم الواسطي.
فوضى البيروقراطية
وفردوس الذي سيصبح عمره في هذا الشهر ثمانية عشر عامًا، بات يفقد الوقت. وكثيرًا ما ينظر إلى مستقبله المجهول بحزن وقلق. فبصرف النظر عن عدم وجود قرار بشأن لجوئه من المكتب الاتِّحادي للهجرة واللاجئين، فإنَّ هناك صعوبات أخرى - وفوضى بيروقراطية لا يمكن تقريباً التغلـُّب عليها: "فحتى نهاية عام 2015 كانت السلطات المختصة ترى أنَّ اللاجئين القُصَّر لا تجوز دعوتهم لإجراء مقابلة"، مثلما تقول سيلفيا هـ، المتطوِّعة لرعاية فردوس.
"لكن بما أنَّ الحالة الأولى تُلغي نجاح الحالة الثانية، فقد اكتشف المعنيون هذه الفوضى البيروقراطية"، مثلما تقول المتطوِّعة لمساعد اللاجئين سيلفيا هـ. فعند بلوغ سنِّ الرشد والتمكُّن من دعوة اللاجئين إلى المقابلة، فعندئذ لا تعد توجد لدى اللاجئين أية حقوق لإحضار آبائهم إليهم في ألمانيا.
منذ شهر كانون الثاني/يناير 2016 صدرت تعليمات إلى الدوائر التابعة للمكتب الاتِّحادي للهجرة واللاجئين، تقضي باستدعاء القُصَّر دون سنّ الرابعة عشرة لإجراء المقابلة. ولكن من الناحية العملية كثيرًا ما تكون هذه التعليمات غير معروفة لدى موظفي دائرة الهجرة، مثلما تخبرنا سيلفيا. وحول ذلك يقول فردوس: "كلما كنت أذهب إلى الدائرة وأسعى من أجل معاملة لَمّ شمل أسرتي، كانوا يقولون لي هناك: ’فقط إذا كنت حاصلاً على الاعتراف بك كلاجئ بإمكانك إحضار والدتك إلى هنا". ويضيف أنَّ "اللاجئ لا يتلقَّى دعوة لإجراء المقابلة إلاَّ إذا كان عمره ثمانية عشرة عامًا. وهذا من ناحية أخرى الشرط الأساسي للحصول على صفة اللاجئ".
ولذلك فَقَدَ فردوس وقتًا ثمينًا. وبفضل الجهود المستمرة من جانب مُساعِدة اللاجئين سيلفيا فقد تمكَّن هو وشقيقاه من حجز موعد لأمِّهم من أجل الحصول على تأشيرة سفر لدى القنصلية الألمانية في إسطنبول. وهذا بحدِّ ذاته معجزة صغيرة. إذ أنَّ فترات الانتظار لمثل هذه المواعيد من أجل الحصول على تأشيرة سفر لدى السفارات الألمانية في الخارج تصل حاليًا إلى سنة على الأقل. حيث لا يزال يسود هناك نقصٌ كبير في عدد الموظفين، مثلما يقول كريم الواسطي مشتكيًا: "نحن نتحدَّث هنا عن أربعة وتسعين موظفًا في ست ممثِّليات ألمانية في الخارج، تتولى متابعة طلبات لَمّ شمل اللاجئين بأُسَرهم". وهذا العدد غير كافٍ، بحسب تعبير كريم الواسطي.
استحالة السفر إلى تركيا والأردن حتى مع وجود موعد
ولكن حتى لو تم منح الموعد للحصول على تأشيرة سفر، فإنَّ الأشخاص المعنيين يواجهون عقبات أخرى، غالبًا ما تفشل بسببها في اللحظة الأخيرة معاملة جمع شمل الأسرة. وهذا المصير يمكن أن يواجه أسرة فردوس أيضًا. فوالدته يجب عليها أن تسافر من دمشق إلى إسطنبول من أجل الحضور في موعد لدى القنصلية الألمانية في إسطنبول. غير أنَّها بحاجة من أجل ذلك إلى تأشيرة دخول من الجانب التركي لتتمكَّن أولاً من السفر إلى تركيا.
"منذ بداية العام الماضي 2016 لم يعد السوريون في الواقع يستطيعون دخول تركيا وكذلك الأردن، حتى عندما يكون لديهم موعد لدى السفارات الألمانية"، مثلما يقول كريم الواسطي. ويضيف أن منظمة "برو أزول" قد توجَّهت إلى وزارة الخارجية الألمانية لهذا السبب، من أجل إجراء محادثات مع السلطات التركية وجعلها تُسهِّل في مثل هذه الحالات السفر إلى تركيا. ولكن حتى الآن لا يزال الوضع على ما هو عليه من دون تغيير، بحسب تعبير كريم الواسطي.
"حاليًا تنحصر عملية مراجعة طلبات لَمّ شمل أسر اللاجئين السوريين في سفارتي ألمانيا في العاصمة اللبنانية بيروت وفي مدينة أربيل في شمال العراق"، وهذا يجعل فترات الانتظار أطول. ففي السفارة الألمانية في أربيل يجب على المرء الآن أن يتوقَّع الانتظار خمسة عشرة شهرًا من أجل منحه موعدًا للحصول على تأشيرة سفر.
ومع مضي كلِّ يوم يتضاءل أمل فردوس وإخوته في التمكُّن من إحضار والدتهم من دمشق إليهم في ألمانيا. ولكن مع ذلك لا يزال هناك بصيصٌ من الأمل: يكمن في تحديد موعد خاص من خلال وزارة الخارجية الألمانية لدى السفارة الألمانية في بيروت قبل بلوغ فردوس عامه الثامن عشر.
أولريكه هومل
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2017